التعليم والدين والفكر: كيف نشكل الفرد والمجتمع في عالم متغير؟

حوار مع الكاتب والباحث السعودي
محمد عمر حسين المرحبي
في هذا الحوار الذي جمعنا مع الكاتب والباحث السعودي محمد عمر حسين المرحبي، الذي كرّس مسيرته للغوص في أعماق الشؤون التربوية والفكرية والدينية والدراسات الإسلامية، مقدمًا لنا رؤى عميقة وتحليلات رصينة سنستكشف رحلته الفكرية، من شغفه المبكر بالقراءة، مرورًا بتحصيله العلمي المنهجي ونيله للإجازات العلمية، وصولًا إلى إصداره مؤلفات قيمة تلامس قضايا مجتمعاتنا المعاصرة.
• بداية نود أن تخبرنا عن أهم المحطات الرئيسية التي شكلت مسيرتك الفكرية والبحثية؟
لطالما كانت القراءة شغفي الأول والشرارة التي أضاءت طريقي. فمنذ سن مبكرة، وجدتُ في الكتب عوالم لا نهائية من المعرفة والأفكار، وشكّل هذا الاطلاع المبكر حجر الأساس لفضولي المعرفي ورغبتي في الاستزادة من العلم. لم تكن مجرد هواية، بل كانت دافعًا لتعميق الفهم والتساؤل المستمر حول مختلف القضايا.
بعد تلك البداية الملهمة، جاءت مرحلة التخصص والتأصيل العلمي. انخرطتُ في دراسة العلوم الشرعية، التي أعتبرها المنبع الأساسي للحكمة والمنهج. تكللت هذه المرحلة بحصولي على درجة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية، مما منحني قاعدة معرفية متينة في الفقه، والحديث، والتفسير، وغيرها من العلوم الأصيلة.
ولم أكتفِ بالجانب الأكاديمي، بل حرصتُ على تلقي العلم بالطرق التقليدية العريقة، فنلتُ الإجازة في عدد من المتون العلمية بالسند المتصل. هذه الإجازات، التي تعني اتصال سندي بالعلماء الذين سبقوني وصولًا إلى مؤلفي تلك المتون، عززت من أصالة تكويني وعمقه. من أبرز هذه المتون التي حظيت بشرف الإجازة فيها: الأربعين النووية، التي رسخت لدي فهمًا دقيقًا للأحاديث النبوية وأبعادها الأخلاقية والتربوية؛ ومتن الورقات في أصول الفقه، الذي صقل لدي مهارات الاستدلال والاستنباط الشرعي؛ وأخيرًا، بداية العابد في الفقه، الذي أرسى فهمي للأحكام العملية للعبادات والمعاملات.
حقيقة لم تكن رحلة التكوين العلمي الشرعي نهاية المطاف، بل كانت نقطة انطلاق نحو آفاق أوسع. أدركتُ أهمية الجمع بين الأصالة والمعاصرة، لذا مررتُ بمرحلة أخرى فالتحقت بـالدورات الأكاديمية في المنصات التعليمية الحديثة التي وسعت مداركي على أساليب التعلم المعاصرة وأتاحت لي فرصة الاطلاع على أحدث المناهج البحثية والتفاعلية.
أيضا خصصت جزءًا كبيرًا من جهدي للتعمق في دراسة مناهج المحدثين في تمحيص الأحاديث وتقييمها، هذا التخصص عزز لدي ملكة التفكير النقدي والتحقيق العلمي الرصين، وهو ما أعتبره ضروريًا لأي باحث يسعى لتقديم عمل موثوق ودقيق.
وتُوّجت كل هذه المحطات بإصدار مؤلفاتي التي كانت ثمرة لتلك الرحلة الفكرية والبحثية.
• لماذا اخترت التخصص في الشؤون التربوية والفكرية والدينية والدراسات الإسلامية على وجه التحديد؟ وما الذي جذبك إلى هذه المجالات؟
إن اختياري للتخصص في الشؤون التربوية والفكرية والدينية والدراسات الإسلامية ينبع من قناعة راسخة بأن هذه المجالات تشكل جوهر بناء الإنسان والمجتمع معًا. أرى أن كل واحدة منها تكمل الأخرى في سبيل تحقيق نهضة شاملة ومستدامة.
فالتربية بالنسبة لي ليست مجرد تلقين معلومات، بل هي القاعدة الأساسية التي تُبنى عليها شخصية الفرد ومستقبل الأمة. هي التي تصوغ الوعي، وتنمي المهارات، وتغرس القيم. بدون تربية سليمة، يصبح أي بناء هشًا وعرضة للانهيار.
أما الدين، فهو الذي يمنح هذه التربية القيم والبوصلة الأخلاقية. الدين يوفر الإطار الروحي والأخلاقي الذي يوجه السلوك الإنساني نحو الخير والنماء، ويمنح الحياة معنى وهدفًا أسمى. وجدت في المبادئ الدينية، وتحديدًا في الإسلام، مصدرًا غنيًا للقيم الإنسانية النبيلة التي تدعو إلى العدل، والإحسان، والرحمة، والتوازن.
ويأتي الفكر ليصوغ كل ذلك في مشروع حضاري قابل للحياة. الفكر هو الأداة التي تمكننا من تحليل الواقع، فهم التحديات، وتطوير الحلول. هو الذي يحول القيم التربوية والدينية إلى برامج عمل ومبادرات مجتمعية ملموسة تُحدث فرقًا حقيقيًا.
وقد كان انجذابي إلى الدراسات الإسلامية تحديدًا بسبب كوني قد وجدت فيها معينًا لا ينضب من الحكمة والمنهج. هذه الدراسات لا تقدم فقط معارف نظرية، بل هي منهج حياة شامل يتناول كل جوانب الوجود الإنساني. هي مصدر للإجابات على الأسئلة الكبرى حول الوجود، والغاية، والسعادة، وكيفية بناء مجتمع فاضل. لقد وجدت فيها عمقًا فكريًا لا مثيل له، وقدرة على التكيف مع مختلف الأزمنة والأمكنة.
بينما مثلت الشؤون الفكرية بشكل عام نافذة واسعة لفهم التحولات المعاصرة واستيعاب تحديات الزمن. في عالم يتغير بوتيرة سريعة، من الضروري أن نمتلك أدوات فكرية تمكننا من تحليل هذه التغيرات، وتحديد الفرص والمخاطر، وتقديم رؤى مبتكرة لمواجهة التحديات الجديدة. هذا التفاعل بين الأصالة المتمثلة في الدراسات الإسلامية والمعاصرة المتمثلة في الشؤون الفكرية، هو ما شعرت أنه ضروري لإحداث تأثير إيجابي حقيقي في مجتمعاتنا.
بشكل عام، يمكن القول إن اختياري لهذه المجالات لم يكن عشوائيًا، بل هو نتاج رؤية متكاملة تهدف إلى المساهمة في بناء إنسان واعٍ ومجتمع مزدهر ومتحضر، مستندًا إلى قيم راسخة وفكر متجدد.
• هل هناك شخصيات أو مؤلفات معينة كان لها تأثير بالغ في تكوينك الفكري والبحثي؟
إن التكوين الفكري والبحثي لأي باحث يتأثر بشكل كبير بالشخصيات والمؤلفات التي ينهل منها. بالنسبة لي، هناك بالفعل أسماء لامعة ومؤلفات محورية كان لها تأثير بالغ وعميق في صقل منهجي وتوسيع مداركي.
كان لابن تيمية تأثير عظيم في منهجي، وبالأخص في قوة الطرح وعمق التحليل وربط النص بالواقع. أُعجب بقدرته الفائقة على استنباط الأحكام والمعاني من النصوص الشرعية، وتنزيلها على المستجدات والقضايا العصرية. منهجه الذي يجمع بين سعة العلم الشرعي، والعقلانية، والقدرة على تفكيك المشكلات المعقدة، كان بمثابة بوصلة لي في مسيرتي البحثية. لقد ألهمتني كتاباته في كيفية التعاطي مع التحديات الفكرية بجرأة وعمق، دون الانفصال عن أصول الشريعة ومقاصدها.
كما لفتني الإمام ابن الجوزي بأسلوبه الوعظي المؤثر وموسوعيته العلمية الفذة. لم يكن مجرد عالم، بل كان مربيًا للنفوس، قادرًا على إيصال المعاني العميقة بأسلوب بديع يلامس القلوب والعقول. موسوعيته في شتى الفنون والعلوم الإسلامية، من الحديث والفقه والتفسير إلى التاريخ والآداب، كانت نموذجًا لي في السعي نحو التنوع المعرفي وربط العلوم ببعضها البعض. تعلمت منه كيف يمكن للعلم أن يكون نورًا يضيء دروب الحياة ويهذب النفوس.
وكان لفكر مالك بن نبي أثر بالغ في تشكيل رؤيتي حول شروط النهضة وأسباب تخلف العالم الإسلامي وسبل استعادة فاعليته الحضارية. تحليلاته العميقة لمشكلات الحضارة، ومفاهيمه عن “دورة الحضارة”، و”مشكلة الإنسان”، و”مشكلة التراب”، و”مشكلة الوقت”؛ قدمت لي إطارًا منهجيًا فريدًا لفهم الواقع والبحث عن حلول جذرية. لقد علمني أن النهضة ليست مجرد تقليد أو استيراد، بل هي نتاج معادلة معقدة تتطلب وعيًا داخليًا عميقًا بالعوامل الثقافية والاجتماعية والفكرية.
كذلك تأثرت كثيرًا بكتابات طه عبد الرحمن التي تمزج بين الأصالة والتجديد، وتحديدًا في مجال الفلسفة الأخلاقية ومناهج التفكير الإسلامي المعاصر. قدرته على المزج بين التراث الإسلامي العريق والفلسفة الغربية الحديثة، وتطوير مفاهيم جديدة مثل “الائتمانية” و”روح المعنى”، أثرت بشكل كبير في فهمي للتحديات المعاصرة وضرورة التجديد المنهجي في الفكر الإسلامي. أسلوبه العميق والمحكم يفتح آفاقًا جديدة للتفكير النقدي والتأصيل المعرفي.
هذه الشخصيات والمؤلفات، بتنوعها وعمقها، ساهمت في بناء قاعدة صلبة لتفكيري ومنهجي البحثي، ومكنتني من رؤية القضايا من زوايا متعددة تجمع بين الإرث الأصيل ومقتضيات العصر.
• كيف توفق بين مجالات اهتمامك المتعددة (التربوية، الفكرية، الدينية، والدراسات الإسلامية) في أعمالك البحثية والكتابية؟ وهل ترى ترابطًا وثيقًا بينها؟
إن رؤيتي لمجالات اهتمامي المتعددة (التربوية، الفكرية، الدينية، والدراسات الإسلامية) هي أنها ليست مجرد حقول معرفية متجاورة، بل هي متداخلة بطبيعتها وتشكل نسيجًا واحدًا لا يتجزأ. هذا الترابط الوثيق هو جوهر منهجي في أعمالي البحثية والكتابية.
في جوهر الأمر، أرى أن الدين يؤطر القيم وهو الأساس النظري والمصدر الأول للمبادئ والمعايير الأخلاقية والسلوكية التي ينبغي أن تحكم حياة الإنسان والمجتمع.
والتربية هي العملية التطبيقية التي تُحول هذه القيم المؤطرة نظريًا إلى سلوكيات وممارسات واقعية في الأفراد والمجتمعات كذلك هي الوعاء الذي يُصاغ فيه الإنسان وفق هذه القيم.
أما الفكر فيفسر الواقع ويقترح الحلول ويكون هو الأداة التحليلية والنقدية التي تمكننا من فهم التحديات المعاصرة، وتفكيك الظواهر الاجتماعية، واستنباط الحلول لمشكلات الواقع بناءً على الإطار القيمي والتربوي.
هذا الترابط يعني أنني في كتاباتي أسعى دائمًا لنسج هذه الخيوط في نسيج معرفي واحد. على سبيل المثال، عندما أتناول قضية تربوية، فإنني لا أفصلها عن جذورها الدينية والفكرية.
فالتحديات المعاصرة، سواء كانت اجتماعية، أو فكرية، أو أخلاقية، أو حتى سياسية، باتت تتطلب خطابًا شاملاً متكاملاً. لا يمكن حل مشكلة التطرف الفكري بالمعالجة الأمنية فقط دون فهم أبعادها الدينية والتربوية والاجتماعية. ولا يمكن النهوض بالمجتمع اقتصاديًا دون إصلاح تربوي يعزز قيم العمل والإتقان، ورؤية فكرية تنبثق من فهمنا لمقاصد ديننا.
لذلك، أحرص في كل عمل بحثي أو كتابي على إظهار الروابط الخفية والواضحة بين هذه المجالات. أسعى لتقديم قراءة لا تنفصل فيها المشكلة الفكرية عن تأثيرها التربوي، ولا ينفصل فيها الحل الديني عن قابليته للتطبيق الفكري والتربوي. هذا المنهج الشمولي هو ما يمنح أعمالي العمق والاتساع والقدرة على المساهمة الفاعلة في معالجة قضايا عصرنا.
• ما هي أبرز القضايا التي تشغلك كباحث وكاتب في الوقت الراهن؟ وما هي الرسالة الأساسية التي تسعى لإيصالها من خلال كتاباتك؟
كمهتم بالشؤون التربوية والفكرية والدينية، تنصب اهتماماتي البحثية والكتابية حاليًا على قضيتين محوريتين أراهما الأكثر إلحاحًا في السياق المعاصر هما مسألة الهوية الثقافية في ظل التحديات الفكرية المعولمة ودور التربية الإسلامية في صياغة وعي إنساني حضاري متزن.
ففي هذا العصر الذي تتسارع فيه وتيرة العولمة وتنتشر فيه الأفكار والتيارات الفكرية من كل حدب وصوب، يواجه الفرد والمجتمع العربي والإسلامي تحديًا كبيرًا في الحفاظ على هويته الثقافية الأصيلة، لأجل ذلك أنا منشغل بكيفيات الاستفادة من إيجابيات العولمة دون أن نذوب فيها أو نفقد خصوصيتنا الثقافية وكيف يمكن للأجيال الجديدة أن تتفاعل مع العالم بأسره، بينما تظل متجذرة في قيمها وتراثها. هذا التحدي يفرض البحث في آليات تعزيز الانتماء الثقافي، وتأصيل الوعي الذاتي، وتمكين الأفراد من التمييز بين ما هو أصيل وما هو دخيل، بطريقة تفتح آفاقًا للتعاون الحضاري لا الانغلاق.
أيضا أرى أن التربية هي المفتاح الأساسي لمواجهة تحديات الهوية. وكيفية صياغة منهج تربوي إسلامي لا يقتصر على الجانب الشرعي فحسب، بل يمتد ليشمل الجوانب الفكرية والأخلاقية والحضارية، هو ما يشغلني كثيرًا. الهدف هو بناء جيل يمتلك وعيًا إنسانيًا رحبًا، قادرًا على فهم العالم من حوله، والمشاركة بفاعلية في بناء الحضارة الإنسانية، مع الحفاظ على اتزانه الروحي والفكري المستمد من قيمه الإسلامية.
أما بالنسبة للرسالة التي أسعى لإيصالها من خلال كتاباتي وأبحاثي يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط متكاملة هي بعث الوعي فأنا أؤمن بأن أساس أي نهضة يبدأ من وعي الفرد والمجتمع. وعي بذاته، بتاريخه، إمكانياته، وكذلك وعي بالتحديات المحيطة به. ليس الوعي السطحي، بل الوعي العميق الذي يدفع للتساؤل والنقد والتفكير البناء.
وكذا ترسيخ القيم لأن الوعي وحده لا يكفي إذا لم يستند إلى منظومة قيمية راسخة. هذه القيم، المستمدة من تراثنا الإسلامي الغني، هي بوصلة السلوك الأخلاقي والاجتماعي. أسعى لترسيخ قيم مثل المسؤولية، العدالة، الإتقان، التسامح، والابتكار، كركائز أساسية لبناء مجتمع سليم.
وصولا إلى تحفيز النهوض من داخل الإنسان العربي والمسلم.. هذا هو جوهر رسالتي. إنني أرفض بشدة فكرة استيراد نماذج غريبة للنهضة أو الحلول الجاهزة التي لا تنسجم مع موروثنا الروحي والثقافي. النهوض الحقيقي يجب أن ينبع من دواخلنا، من طاقاتنا الكامنة، ومن رؤيتنا الخاصة المنبثقة من فهمنا العميق لذاتنا وتاريخنا وديننا. هذا لا يعني الانغلاق على الذات، بل يعني التفاعل الواعي مع العالم، والأخذ بما يناسبنا، وتقديم إسهاماتنا الخاصة للحضارة الإنسانية.
باختصار، رسالتي هي دعوة إلى نهضة أصيلة وواعية، تنطلق من الذات وتستثمر في بناء الإنسان، ليكون قادرًا على مواجهة تحديات العصر والإسهام في بناء مستقبل أفضل، مستلهمًا من موروثه الحضاري والثقافي.
• هل يمكنك أن تحدثنا عن مشروع بحثي أو كتابي تعتبره علامة فارقة في مسيرتك؟ وما الذي يميزه بالنسبة لك؟
من أبرز كتبي التي أعتز بها “نهضة المجتمعات العربية: نماذج التغيير لتحقيق تقدم مستدام”، لأنه يمثل خلاصة تأملات طويلة في مسارات الإصلاح والتغيير من منظور واقعي وإسلامي في آن واحد. كما يميزه الطرح التطبيقي، إذ يقدم نماذج عملية يمكن الاستفادة منها في السياسات التربوية والاجتماعية.
هذا الكتاب يمثل بالنسبة لي تتويجًا لسنوات من البحث المتواصل والتأمل العميق، وربطًا بين مختلف اهتماماتي في الشؤون الفكرية، التربوية، والدينية. إنه ليس مجرد مجموعة مقالات، بل هو خلاصة رؤى وتأملات طويلة في مسارات الإصلاح والتغيير التي تحتاجها مجتمعاتنا العربية. ما يميزه بشكل خاص هو قدرته على الجمع بين المنظور الواقعي والمنظور الإسلامي في آن واحد.
لقد سعيت من خلاله لتجاوز النظرة النمطية للنهضة التي قد تقتصر على الجانب الاقتصادي أو السياسي فقط. بدلاً من ذلك، قدمت رؤية شاملة للتقدم تنبع من فهم عميق للتحديات التي تواجه المجتمعات العربية، مع الاستناد إلى المبادئ والقيم الإسلامية التي أؤمن بأنها مصدر قوة وإلهام لا ينضب.
باختصار، أرى أن “نهضة المجتمعات العربية” ليس مجرد كتاب، بل هو مشروع فكري متكامل يهدف إلى المساهمة في بناء وعي جديد، وتحفيز حركة تغيير إيجابية ومستدامة تنطلق من داخل مجتمعاتنا، وتستلهم من قيمنا الأصيلة لتحقيق تقدم حقيقي ومستدام.
• في ظل التحديات الراهنة التي يواجهها عالمنا العربي والإسلامي، ما هو الدور الذي تراه للتربية والفكر والدراسات الإسلامية في بناء مجتمعات أفضل؟
إن دور التربية والفكر والدراسات الإسلامية في بناء مجتمعات أفضل، في ظل التحديات الراهنة التي يواجهها عالمنا العربي والإسلامي، هو جوهري وأساسي، بل لا مفر منه. أرى أن هذه المجالات الثلاثة تشكل ركائز متكاملة لا يمكن الاستغناء عن أي منها لتحقيق النهضة المأمولة.
تأتي التربية في المقام الأول كحجر الزاوية في أي مشروع بناء مجتمعي. فهي ليست مجرد عملية تلقين للمعلومات، بل هي منظومة متكاملة تهدف إلى غرس القيم من خلال التربية السليمة، تُغرس في نفوس الأجيال قيم العدل، الإحسان، المسؤولية، الإتقان، التسامح، واحترام الآخر. هذه القيم هي بمثابة البوصلة الأخلاقية التي توجه سلوك الأفراد وتصرفاتهم.
وتشكيل العقل فعقلٌ متشكّل جيدًا هو القادر على فهم تعقيدات الواقع واستشراف المستقبل وأيضا بناء الهوية إذ تسهم التربية في تعزيز الانتماء للهوية الثقافية والدينية، مما يمنح الأفراد شعورًا بالاستقرار والتجذر في عالم مضطرب.
• ما هي نصيحتك للشباب المهتم بالبحث والكتابة في الشؤون الفكرية والدينية؟
أن يبدأوا بالتحصيل المنهجي والتدرج العلمي، ثم يوسعوا آفاقهم بالاطلاع على تجارب الآخرين، دون الانبهار بها. كما أنصحهم بالصدق في النية، والصبر على الطريق، وأن يكون همهم خدمة قضايا أمتهم، لا مجرّد تحقيق حضور شخصي أو شهرة عابرة.
• ختامًا، ما هي طموحاتك المستقبلية على الصعيدين البحثي والكتابي؟ وهل هناك مشاريع جديدة تعمل عليها حاليًا؟
طموحاتي المستقبلية، على الصعيدين البحثي والكتابي، تنصب في اتجاه واضح ومحدد المعالم هو بناء مشروع معرفي متكامل يخدم قضايا النهضة في العالم الإسلامي من منظور تربوي وفكري وأخلاقي.
وأسعى لتحقيق هذا الهدف من خلال تركيز جهودي على تطوير رؤى ومشاريع تسهم في إثراء الفكر الإسلامي المعاصر وتقديم حلول عملية للتحديات الراهنة.
كذلك أعمل حاليًا على عدة مشاريع أرى أنها أساسية لتحقيق هذا الطموح.
بالمقابل أعمل على كتاب يتناول “الخطاب الإسلامي المعاصر بين التحديات والفرص”
كذلك أفكر جديًا في إطلاق منصة معرفية تعليمية تركز على تبسيط العلوم الشرعية والفكرية للشباب بلغة معاصرة وميسرة. لاحظت أن هناك فجوة كبيرة بين المحتوى العلمي الشرعي والفكر الغني، وبين كيفية تقديمه للأجيال الشابة بطريقة جذابة ومفهومة.
تتمثل رؤيتي في أن هذه المشاريع، سواء الكتابية أو التعليمية، ستسهم في بناء جيل واعٍ، قادر على استيعاب موروثه الحضاري والفكر في الوقت ذاته، والمساهمة في نهضة مجتمعاته من الداخل. أنا أؤمن بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الفرد، من وعيه، من قيمه، ومن قدرته على التفكير النقدي والبناء، وهذا ما أسعى لترسيخه من خلال كل عمل أقوم به.