محاضرة اقتصادية لأعضاء مجلس الوزراء “تقتصر على المتخصصين فقط”!

” مُعجِّل الاستثمار في مصر “
بقلم: أيمن رفعت المحجوب أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة
تقدم الحكومة المصرية الجديدة في الفترة القادمة من اوائل العام القادم على إقامة مؤتمر اقتصادي يهدف الى دفع التنمية وتعظيم معدلات الانتاج القومي وجذب وتوسيع الاستثمارات المباشرة والغير مباشرة (المحلية والعربية والأجنبية) على المدى القصير والمتوسط والطويل.
ومن واقع متابعتي للأحداث على الساحة الاقتصادية وتحليل المؤشرات الكلية و الجزئية ,أرصد أن هناك شيئاً ليس بالكثير فى السابق ، قد بذل من جهد وفكر وسياسات طبقت على ارض الواقع غير ملموسة للعامة في هذا المضمار.
ولكني أردت أن أقدم في هذه الورقة التحضيرية بعض الضوابط الخاصة بالاستثمار المباشر ، والغير مباشر في المرحلة الدقيقة التي يمر بها مصر الآن , لوضع اطار عام للسياسات الاقتصادية , خاصة بعد ثورتين شعبيتين طمحتا لتحقيق التقدم الاقتصادي ، والخبز الشريف ، والعدالة الاجتماعية لمجتمع الملايين ، وينتظر الشعب من مؤسسة الرئاسة والحكومة الكثير والكثير , حتى في ظل محدودية الامكانيات ، والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية الصعبة مرحلياً.
وعليه أقدم طرحى في ملخص مضمونه هو “أثر سياسة إعادة توزيع الدخل القومي على معدلات الاستثمار في مصر” حيث تؤدي سياسة إعادة توزيع الدخل القومي هذه إلى التأثير في الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة ، وذلك عن طريق مسلك مباشر ، وعن طريق مسلك غير مباشر ، وهذا الأخير هو ما يعرف أيضاً للمختصين “بأثر المعجّل” ويكون لهذا تأثير واضح في الحجم الكلي للطلب على اموال الاستثمار ، كما يكون له تأثير أخر في اعادة تشكيل بنيان هيكل الاستثمار ذاته ، أي في كيفية توزيع رؤوس الأموال بين مختلف أنواع الأنشطة الاقتصادية المزمع الاستثمار فيها.
وإن كان واجب علينا أن ننبه الى ان أثر اعادة توزيع الدخل القومي أيضاً تمتد الى التأثير في حجم الاستهلاك ( العام والخاص) بصفتها عملية واحدة تؤدي في نهايتها وبفعل مختلف أدواتها المالية المعروفة ، إلى تحويل جزء من الدخول القومية من فئة اجتماعية إلى فئة اجتماعية أخرى ، وذلك لأن عملية التحويل هذه تؤثر في مستوى دخل كل فئة على حدا ، وبالتالي تؤثر في مستوى استهلاكها منفردة. إلا أن هذا الموضوع ليس محل دراستنا المباشرة في هذا الطرح و يحتاج الى دراسة اخرى تفصيلية ، وان كان سوف يؤثر في حجم الطلب على الاستثمار كما سوف نرى بصورة غير مباشرة لاحقاً و سوف نتعرض لشرحه باختصار.
وواضح مما تقدم أن اسلوب التحليل المستخدم هنا ، وهو دراسة إعادة التوزيع الدخل القومي كوحدة واحدة ، يفرض نفسه أيضاً ، ونحن بصدد مناقشة الأثر غير المباشر لإعادة توزيع الدخل القومي في الطلب على أموال الاستثمار ، ذلك أن هذا الأثر يتمثل ، وعلى ما سنرى ، في الزيادة في حجم الاستهلاك وفي حجم الاستثمار معا ، وهو ما قد يشكل عقبة في طريق التنمية ، ما لم نتوخى الحذر في معالجته بحرفية بالغة لتحقيق التوازن بين المعاملين( وهذا دور الحكومة في أي دولة).
وسنعرض هنا الأثر غير المباشر ، والأثر المباشر لإعادة توزيع الدخل القومي في الطلب على اموال الاستثمار:
أولاً:
الأثر غير المباشر” المعجّل”:
الكل يعلم أن إعادة توزيع الدخل القومي الموجهة في صالح الطبقات ذات الدخول المحدود والفقراء ، تؤدي الى زيادة أولوية في حجم الاستهلاك الخاص ، وذلك من خلال ما تحدثه من ” الاستهلاك المولد” أي من خلال “أثر المضاعف الاقتصادي” ، وهو ما يؤدي الى مضاعفة في حجم الدخل القومي ، وهذا شيء أحمد , ولكن بشروط اقتصادية فنية.
وبالإضافة الى ذلك فإن هذه الزيادة الكلية في حجم الاستهلاك (الأولية منها والمتوالدة ) تحدث بدورها سلسلة أخرى من الزيادات المتتالية في حجم الاستثمارات المطلوبة (أي في زيادة حجم الطاقة الاستيعابية للجهاز الانتاجي, اى حسب درجة مرونته في البلد محل الدراسة كمصر ) لملاحقة الزيادة في الطلب الكلي الناتج عن الزيادة في حجم الطلب على الاستهلاك.
وبيان ذلك أن انتاج حجم معين من أموال الاستهلاك ( لمواجهة الزيادة في الطلب) يتطلب بدوره هو الآخر استخدام حجم أكبر من الموارد والعناصر البشرية والطبيعية والمصنعة ونصف المصنعة والخام من كل من الأراضي والآلات والمنشآت والسلع غير المنتهية الصنع ومن المواد الأولية ومن المخزون من السلع الاستهلاكية المعمّرة ايضا ,
أي يتطلب كمية معينة
(بالطبع أكبر من عناصر الانتاج العاملة في الاقتصاد)
و من ورأس المال .
وتتحدد هذه الكمية بما يعرف “بمعامل رأس المال” ويقصد “بمعامل رأس المال” العلاقة الفنية بين رأس المال المستخدم في نشاط اقتصادي ما ينتجه هذا النشاط من منتج وسيط او منتج نهائي الصنع ، أي أن أثر المعامل هذا هو الذي يحدد ما يلزم من رأس المال ليكفي لإنتاج وحدة من ناتج هذا النشاط الجديد أينما كان.
ويجري حسابه بنسبة رأس المال المستخدم في هذا النشاط الى انتاجه الجاري. ويفترض في ” أثر المعجل” أن يكون النشاط الاقتصادي القائم أو المزمع إقامته (كاستثمار جديد) يعمل أو سوف يعمل بكامل طاقته الانتاجية (إن أراد حسب متطلبات السوق من عرض و طلب ) وإن كان وارد الحدوث أن توجد كميات معطلة من المواد الأولية والأيدي العاملة حسب الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
ولكن لا يجب ان تتجاوز الحدود المسموح بها اقتصاديا
و المعروفة ( بنسبة البطالة الطبيعية في أي دولة منتجة) ,
هو ما يرجع بالدرجة الاولى الى مدى مرونة الجهاز الإنتاجي في مصر.
ويبقى أن ننبه هنا في مجال الآثار غير المباشر للإعادة في توزيع الدخل القومي في الاستثمار ، الى أن الزيادة في الاستهلاك العام والخاص ، على تفصيل ما تقدم ، تؤدي الى ارتفاع الكفاية الحديد لرأس المال العامل ، وهذا أمر أحمد أيضاً, ولكن وكما ذكرت , ان الزيادة في الاستهلاك قد تضر الاقتصادولا تفده ما لم يتوافر شرط المرونة في الجهاز ا