سمير الإسكندراني: الفنان الماكر وبطل الظل الذي هزم الموساد

سمير الإسكندراني: الفنان الماكر وبطل الظل الذي هزم الموساد

 

 

في وداع رجل لم يكن مجرد فنان، بل كان رمزًا للوطنية والفن، نعت المخابرات العامة المصرية الفنان الراحل سمير الإسكندراني، في واحدة من المناسبات النادرة التي تُنعي فيها شخصية فنية، بعد الفنان محمود عبد العزيز، الذي جسّد شخصية الجاسوس المصري في مسلسل “رأفت الهجان”.

 

لكن الإسكندراني لم يكن بطلاً دراميًا، بل كان بطلًا حقيقيًا في صفحات العمل السري والاستخباراتي.

من الفن إلى الاستخبارات… حكاية بدأت في إيطاليا

 

ولد سمير الإسكندراني في عام 1938 لعائلة مصرية مثقفة، وبرز مبكرًا كفنان موهوب متعدد اللغات، إذ أتقن خمس لغات أجنبية إلى جانب العربية. عام 1958، تلقى دعوة من المستشار الثقافي الإيطالي بالقاهرة للسفر في بعثة دراسية إلى مدينة بيروجيا بإيطاليا، وهناك بدأت واحدة من أخطر عمليات التجنيد التي حاول الموساد الإسرائيلي من خلالها الإيقاع بشاب مصري طموح.

 

التقى بشخص يُدعى “سليم”، تظاهر بأنه عربي يسعى للعمل لصالح “القضية العربية”، لكن ذكاء الإسكندراني وفطنته كشفا له أن الأمر ليس كما يبدو، خاصة بعد أن لاحظ أن “سليم” يحمل جواز سفر أمريكي، ويتحدث بلكنات غير مألوفة.

قرار مصيري وتواصل مباشر مع القيادة المصرية

 

 

راوغ سمير الإسكندراني ضابط الموساد “سليم”، وأوهمه بأن له أصولًا يهودية عبر جده الأكبر، وبدأ يتلقى تدريبات على استخدام الحبر السري وطرق التخفي، مع وعد بتجنيده لصالح الموساد عقب عودته إلى مصر، بل وطلبوا منه التطوع في الجيش المصري مقابل مكافآت مالية.

 

لكن الإسكندراني، بضميره الوطني، أبلغ شقيقه الذي نصحه بالعودة فورًا إلى مصر. وهناك أصر على لقاء الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه، وهو ما تم بالفعل، واستمع إليه عبد الناصر بكل اهتمام، ليبدأ بعدها فصل جديد من العمليات السرية تحت إشراف المخابرات العامة المصرية.

 

الثعلب… الذي أسقط الموساد

 

بإشراف مباشر من ضباط المخابرات المصرية، وبتدريب مكثف على فنون العمل السري، استطاع الإسكندراني التلاعب بضباط الموساد والتواصل معهم عبر قنوات المخابرات المصرية، مما أسفر عن إسقاط ست شبكات تجسس إسرائيلية نشطة داخل مصر، وتسبب نجاح هذه العملية الكبرى في استقالة رئيس جهاز الموساد في ذلك الوقت.

 

حصل سمير الإسكندراني على لقب “الثعلب” في ملفات المخابرات، وتقديرًا له استقبله الرئيس عبد الناصر بنفسه وكرّمه شخصيًا.

فنان العشق الوطني

 

رغم هذا التاريخ الاستخباراتي الحافل، لم يغفل سمير الإسكندراني عن فنه، فغنى لمصر كما يغني العاشق لحبيبته، بأغنيات لا تزال تخلّد في الذاكرة الوطنية، منها:

 

 “ياللي عاش حبك يعلم كل جيل من بعد جيل”

جمع الإسكندراني بين الموهبة الفنية والبطولة الوطنية، فكان صوتًا لمصر، ودرعًا من دروع أمنها القومي.

 

ختامًا… وداعًا للبطل الذي أنصت له عبد الناصر

 

برحيل سمير الإسكندراني في عام 2020، فقدت مصر فنانًا مخضرمًا، ورجلاً من رجال الظل الذين حموا الوطن في صمت، دون أن يطلبوا شهرة أو تكريمًا. ولعل نعي المخابرات العامة المصرية له، هو أبلغ شهادة على أن البطولات الحقيقية لا تُنسى.

 

رحمه الله وغفر له، وألهم مصر دائمًا بأبنائها الأوفياء.