ما سبب صمت مصر تجاه تصريحات ترامب؟

تحليل سياسي خاص
في الوقت الذي تصاعد فيه الجدل بعد التصريحات المفاجئة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول أزمة سد النهضة، اختارت القاهرة الردّ بالصمت المدروس، رافضة الانزلاق وراء محاولات الاستفزاز أو السقوط في فخ سياسي يُراد له أن يتحوّل إلى أزمة دولية كبرى.
فما الذي يدفع مصر إلى هذا الهدوء المحسوب؟ وما خلفيات التحركات الدولية التي تجري في الكواليس؟
الضوء الأخضر المسموم
تدرك مصر جيدًا أن بعض العروض الأمريكية التي تبدو مغرية في ظاهرها، تحمل في طياتها فخًا استراتيجيًا محكمًا. الحديث عن دعم واشنطن لضرب السد الإثيوبي ليس إلا واجهة لسيناريو أكثر خطورة، يتمثل في محاصرة مصر دوليًا لاحقًا، وفرض عقوبات، خصوصًا في قطاعات الدفاع والتسليح.
الدوائر السياسية في واشنطن تمارس ضغطًا متزايدًا على القاهرة لعرقلة صفقات تسليح ضخمة مع الصين، تشمل أنظمة دفاع جوي، طائرات مسيرة، مقاتلات، وغواصات متقدمة. وتُعدّ هذه الاتفاقيات قفزة استراتيجية نوعية للقوات المسلحة المصرية، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة تهديدًا لتفوقها العسكري في المنطقة.
البديل الأمريكي: صفقة غير معلنة
في مقابل هذه الضغوط، يجري عرض صفقة شاملة غير معلنة على مصر، تشمل:
فتح ممرات لقطاع غزة داخل سيناء، مقابل شراكة مصرية جزئية في إدارة سد النهضة ومشروعاته.
إشراك مصر في مشروع توزيع كهرباء السد نحو أوروبا والمشرق العربي.
تحديث الأسطول الجوي المصري بمقاتلات F-15 وتطوير F-16 إلى معيار “فايبر”.
منح وقروض ومساعدات اقتصادية، شريطة الانسحاب من مجموعة البريكس، وإنهاء التعاون العسكري المتصاعد مع بكين.
لكن القاهرة، رغم كل هذه الإغراءات، تُمسك بورقة القرار السيادي، ولا تنساق خلف عروض لا تحقق أمنها القومي الكامل.
الحقيقة التي لا يريد الغرب سماعها
بعيدًا عن الضجيج الإعلامي، مصر لم تتضرر فعليًا من سد النهضة، بل حققت مكاسب استراتيجية على الأرض:
امتلاء مفيض توشكى بالكامل لأول مرة منذ إنشائه.
تحقيق أكبر مخزون مائي في تاريخ مصر.
انطلاق مشروع النهر الصناعي العملاق في الصحراء الغربية لزراعة ملايين الأفدنة.
كفاءة عالية في إدارة الموارد، من بحيرة ناصر إلى قناطر ديروط وأسيوط.
أما السد نفسه، فقد بلغ ذروته التخزينية. لا مزيد من المياه يمكن حجزها. والتوربينات، التي كانت تُسوّق كأمل اقتصادي لإثيوبيا، لا يعمل منها سوى اثنين فقط، بسبب الطمي الضخم، وتدني الكفاءة التشغيلية.
رسالة مصر: لا وصاية بعد اليوم
الرسالة المصرية واضحة:
لا أحد يملك حق الوصاية على نهر النيل.
ولا تقبل مصر أن يُملى عليها توقيت التحرك، أو شكل الرد.
فلدى الدولة المصرية جيش يحمي، وقيادة تُقدّر، وشعب يثق.
وإذا كان للبعض حسابات انتخابية أو مصالح استثمارية، فمصر لديها تاريخ وجغرافيا ومقدّرات وطن لا تُساوَم.
ولمن يريد فرض الحلول من الخارج:
مصر تختار طريقها بإرادتها، وتتحرك في التوقيت الذي تراه مناسبًا… لا بإشارة من ترامب أو غيره.