أزمة الحياة في إيران: تهديد خفي يضع استقرار النظام على المحك

مقدمة
تعيش إيران اليوم حالة من الأزمات المتراكمة التي بدأت تظهر بوضوح على السطح، بعد فترة طويلة من التوترات الخفية أو المكبوتة. فقد بات الهيكل الهش للنظام الإيراني يواجه ضغوطاً متزايدة من أزمات داخلية متعددة، تتصدرها أزمة المعيشة التي تمس حياة الناس اليومية بشكل مباشر. هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لا تهدد فقط استقرار المجتمع، بل تمثل خطراً حقيقياً على استمرارية النظام السياسي القائم. في هذا المقال، سنناقش أبعاد أزمة المعيشة في إيران، انعكاساتها على المجتمع، وكيف يمكن أن تتحول إلى شرارة انتفاضة شعبية واسعة النطاق.
أبعاد أزمة المعيشة وتأثيرها على المجتمع الإيراني
تشير البيانات الرسمية إلى أن معدل التضخم السنوي في يونيو 2025 اقترب من 40%، وهو رقم يعكس فقدان الأسر الإيرانية لنحو نصف قوتها الشرائية خلال عام واحد فقط. هذا الانخفاض الحاد في القدرة الشرائية يجعل من الضروري شراء أساسيات الحياة مثل الخبز والدواء والتعليم وحتى فواتير الماء والكهرباء تحدياً صعباً للطبقات الوسطى والفقيرة. هذه الظروف تزيد من الفجوة الطبقية وتغذي السخط الشعبي، مما يخلق بيئة خصبة للاحتجاجات الاجتماعية.
حتى وسائل الإعلام التابعة للنظام لم تعد قادرة على إنكار حجم الأزمة، حيث تحذر صحف رسمية من خطر “الانفجار الاجتماعي والسياسي” مع تراجع الطبقة الوسطى. كما أن تصريحات مسؤولين سابقين تؤكد أن إيران تشبه بركاناً خامداً، ينتظر شرارة صغيرة ليشعل ثورة واسعة.
استراتيجية النظام في مواجهة هذه الأزمات تعتمد على سياسة “ترحيل الأزمات” عبر وعود لا تتحقق، وقمع متقطع، وتغيير وجوه سياسية لإعطاء انطباع بالتغيير. لكن هذه السياسة لم تعد فعالة، خاصة مع تراجع قدرة النظام على القمع وتزايد الانشقاقات داخل صفوف قواته، بالإضافة إلى تراجع مصداقيته على الساحة الدولية.
عتبة التحمل الشعبية ومسارات الانتفاضة المحتملة
عندما تتجاوز أزمة المعيشة “عتبة التحمل”، يصبح الحديث عن السيطرة والوقاية بلا معنى. أثبتت انتفاضات السنوات الماضية (2017، 2019، 2022) أن المجتمع الإيراني يمتلك القدرة على تنظيم احتجاجات شاملة، بل وبناء قوة داخلية قادرة على دفع التغيير السياسي الجذري. العامل الحاسم في هذه المرحلة هو مدى قدرة القوى المحتجة على التنظيم وتوحيد صفوفها لتحقيق تغيير فعلي في السلطة.
النظام يدرك هذه المخاطر جيداً، لكنه اليوم يعاني من ضعف جهاز القمع وتفكك قواته، بالإضافة إلى فقدان مصداقيته داخلياً وخارجياً. حتى داخل السجون، يواجه النظام احتجاجات متزايدة من السجناء السياسيين الذين يصرخون ضد الإعدام عبر إضرابات عن الطعام، ما يعكس مدى عمق الأزمة.
في ظل هذه الظروف، إذا تمكنت قوى المعارضة والمقاومة، خصوصاً الشباب والخلايا المحلية، من تعزيز تنظيمها وشبكاتها، فإن الطريق نحو تحولات جذرية في إيران سيكون مفتوحاً. النصر لن يتحقق عبر الشعارات فقط، بل عبر التنظيم المستمر وربط النضالات المختلفة ببعضها البعض. وعندها، لن يبقى أي بركان خامد في قلب المجتمع الإيراني.