“اليهود ضد الصهيونية”: مؤتمر رائد يغيّر الديناميكية التقليدية حول إسرائيل واليهودية

“اليهود ضد الصهيونية”: مؤتمر رائد يغيّر الديناميكية التقليدية حول إسرائيل واليهودية

انعقاد أول مؤتمر يهودي دولي مناهض للصهيونية في فيينا بمشاركة واسعة من أنحاء العالم

في تطور غير مسبوق على الساحة الدولية، شهدت العاصمة النمساوية فيينا مؤخرًا عقد أول مؤتمر عالمي ليهود مناهضين للصهيونية، بمشاركة أكثر من 500 شخصية يهودية من مختلف القارات، يمثلون أطيافًا فكرية ودينية متعددة، اجتمعوا تحت شعار رفض احتكار الصهيونية للهوية اليهودية، وتأكيد التضامن الأخلاقي والحقوقي مع الشعب الفلسطيني.

كسر احتكار التمثيل اليهودي

أبرز ما ميّز هذا المؤتمر هو كسره الصريح للدعوى التي روّجتها الصهيونية لعقود، بأن دولة إسرائيل هي الممثل الوحيد لليهود حول العالم. الحضور، الذي ضم ناجين من المحرقة، وأكاديميين بارزين، وحاخامات تقليديين، ومفكرين تقدميين، أعلنوا رفضهم لاستخدام اليهودية كغطاء سياسي لممارسات الاحتلال والاستيطان، وهو ما شكل ضربة رمزية ومعنوية عميقة لمركزية إسرائيل في الخطاب اليهودي العالمي.

وثيقة ڤيينا: بيان سياسي تاريخي

أصدر المؤتمر وثيقته المركزية المعنونة بـ”إعلان ڤيينا”، والتي جاء فيها:

> “نرفض ادعاء الصهيونية تمثيل اليهودية، وندين استغلال الدين اليهودي كأداة للاستعمار والفصل العنصري والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.”

الوثيقة تمثل تحولًا تاريخيًا في الخطاب اليهودي المناهض للصهيونية، إذ لم تكتف بإدانة الاحتلال، بل دعت صراحة إلى تجميد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، وإعادة تفعيل المقاطعة الأكاديمية والثقافية للمؤسسات الإسرائيلية، وهو ما اعتُبر سابقة لم يشهد لها التاريخ اليهودي الحديث مثيلًا في هذا السياق.

دعوة لمحاسبة إسرائيل دوليًا

طالب المشاركون بمحاكمة قادة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، مؤكدين على ضرورة توسيع تعريف الجرائم ضد الإنسانية ليشمل الاستيطان والحصار والتمييز العرقي. كما نددوا بتواطؤ القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وألمانيا، في دعم ما وصفوه بـ”الإبادة الجارية في غزة”، معتبرين أن هذا الدعم يستند إلى ذرائع سياسية وتاريخية لم تعد أخلاقيًا قابلة للتبرير.

إسناد لحركة المقاطعة ودعوة إلى تحالف أممي

وفي سابقة أخرى، عبّر المؤتمر عن دعمه الكامل لحركة المقاطعة الدولية (BDS)، مؤكدًا أنها تمثل أداة نضالية مشروعة في وجه نظام الأبارتايد الإسرائيلي، كما دعا إلى تشكيل ائتلاف يهودي–فلسطيني أممي يسعى لإسقاط نظام التمييز العنصري وإقامة دولة ديمقراطية واحدة تقوم على المساواة والعدالة لكل سكان الأرض.

مواقف شخصية قوية: من المحرقة إلى غزة

تخللت جلسات المؤتمر شهادات مؤثرة، أبرزها ما قاله الناجي من المحرقة ستيفن كابوس:

> “من عاش جحيم النازية لا يمكنه أن يصمت على ما تفعله إسرائيل في غزة.”

كما عبّرت داليا ساريغ، إحدى المنظمات الرئيسيات للمؤتمر، عن الموقف الأخلاقي قائلة:

> “نحن يهود ضد الصهيونية، ونرفض أن تُرتكب جرائم باسمنا. وقوفنا مع الفلسطينيين هو جزء من التزامنا العميق بالعدالة.”

أما المؤرخ الإسرائيلي المعروف إيلان بابيه، فاعتبر أن ما تمارسه إسرائيل هو “استعمار إحلالي ونظام أبارتايد وجرائم تطهير عرقي لا جدال فيها”، مطالبًا بتحقيق العدالة التاريخية للفلسطينيين، وعلى رأسها حق العودة.

رمزية المكان والرسالة

لم يكن اختيار فيينا اعتباطيًا؛ فهي المدينة التي وُلد فيها ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية. لكن وفق أحد الحاضرين:

> “في هذه القاعة، وُلدت الصهيونية… وهنا تم إعلان نهايتها الأخلاقية.”

لم تُرفع في أروقة المؤتمر أي أعلام، لا إسرائيلية ولا فلسطينية، بل اختار المنظمون أن تزين باحاته أغصان الزيتون كرمز للسلام الفلسطيني. في إحدى اللقطات المؤثرة، غنّت سيدة نمساوية تبلغ من العمر 91 عامًا – ناجية من الهولوكوست – أغنية “موطني” بالعربية، قائلة: “غنيتها أيام النكسة… ولم أكن أعلم أنني سأغنيها يومًا ضد تل أبيب.”

نقلة مفصلية في المشهد الدولي

يُنظر إلى هذا المؤتمر بوصفه نقطة تحول مفصلية في الخطاب الدولي حول إسرائيل وفلسطين، إذ أنه لأول مرة يصدر موقف يهودي جامع بهذا الوضوح والقوة ضد المشروع الصهيوني، ومن داخل الجماعة الدينية التي لطالما ادعت الصهيونية تمثيلها الحصري.

وختامًا، فإن هذا المؤتمر لا يمثل مجرد فعالية فكرية، بل يُعد تأسيسًا لتحالف أخلاقي عالمي جديد، يعيد تعريف مفاهيم التضامن والعدالة، ويمنح النضال الفلسطيني أفقًا دوليًا أوسع وأكثر شرعية في مواجهة واحدة من أكثر أنظمة القمع تعقيدًا في العالم المعاصر.