صقل الذوق يدعم تنمية الشخصية

صقل الذوق يدعم تنمية الشخصية

بقلم: أيمن رفعت المحجوب

أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 

 

    عادةً ما يجد الانسان آثار الجمال في الطبيعة ، فإنه اذا صفت نفسه واتسع أفق بصره ، وعلت مرتبة إدراكه ، يرى الجمال في الطبيعة حيثما أدار عينيه ، وهذا يأتي ” بالتربية والتعليم “. 

 

يرى في الرياضي جمالاً وفي البصر الفسيح جمالاً ، بل ويرى في الطبيعة الجدوب والجبل الأقرع والصحراء الجرداء جمالاً من نوع خاص ، إن اجتمعوا في تجلي قدرة الله عز وجل. 

 

كما يرى الجمال في بعض الانسان وبعض الحيوان. 

 

غير أن للجمال في نفوس الناس قيداً خاصاً يقيدون به معناه العام ، وهو جمال الخلقة في بني الانسان على الخصوص ، وهذا معنى ضيق للغاية.

 

فإذا أقبلت على أحد الشبان تلقي عليه بغتة هذا السؤال: 

هل تحب الجمال ؟!!!!!!!!

 تكيف في ذهنه السؤال في صورة امرأة حسناء فقط 

 وكان جوابه مقيداً بهذه الصورة ، إلا إذا وجهت ذهنه الى معنى الجمال على الاطلاق . 

ذلك أمر مفهوم ولكن يجب علينا أن نساير هذا الاصطلاح العام بعض الشيء في تربية الذوق وعلى العكس ، ليس الأمر كذلك في رؤية اللوحات والتماثيل الجميلة ، فإن النظر إليها يكون دائماً خالياً عن كل ما يزحم معنى الجمال في خيال الرائي. 

ولهذا الاعتبار نكاد نقول أن خير نموذج لتربية الذوق في ادراك أثار الجمال في حياتنا هو استخدامه النظر الى جمال الأثار( وما أكثرها في مصرنا الغالية ). 

وربما كان هذا النموذج هو النموذج الذي اتخذه الناس عند التشبث بتعليم الفنون الجميلة في المدارس في الماضي ، لأنه لو كانت الطبيعة كفيلة بتقديم نماذج الجمال لاكتفت كل أمة بما لديها من النماذج الطبيعية التي خلقها الله من غير أن تستعير نماذج الفنون الجميلة من غيرها.

 

ولا شك في أن الأمة الأولى أخذت نماذجها عن الطبيعة ولكن من خلفها من الأمم قد رأى الأخذ عنها أقرب من الأخذ عن نماذج الطبيعة. 

فإذا كان شبابنا المتعلمون يجعلون من بعض هممهم زيارة دور الأثار واستقصاء ترقي التصوير والصناعة الفنية فيها من عصر إلى عصر ، واعتادوا على ذلك ، واستفاد منهم المستعد في صحة حكمه على الأشياء. 

وزاد علمه بمصر وحبه لها وتقديره تقديراً صحيحاً لمجدها في المدينتين الفرعونية والعربية ( اسلامية أو قبطية ) ، واحترم قومه ونفسه تبعاً لذلك. إذا الواقع يشهد أننا لا نعلم عن وطننا ومجده ما يعلمه الغرباء.

 

فإذا نحن تتبعنا أثار الجمال وعنينا بجمال الأثار ، حصلنا على بذور جديدة تنفعنا في تمصير المدينة الغربية المشوهة الهوية التي نعيش فيها الآن ، وما كسبته مشاعرنا من التربية الغربية ، ومن ذوق مصري ونزعات مصرية مصدرها مشاعر جنسنا الوراثية مضافاً إليها المشاعر المصرية التي تتكيف في نفوسنا تكيفاً مصرياً خالصاً بألاّ يغالِ في تعرف مصر الحديثة.

 

 والطريق واضح ، فلا يغلو الذي يقول إن الوقت الضائع هو ذلك الوقت الذي يعرفه أبناؤنا وبناتنا المتروضين في غير مواضع ” مصر القديمة”.

 

فما هو عذر الشبيبة في هجر مصر القديمة التي إن لم يجدوا من يعلمهم فيها ، ويوضح لهم جمالها ، ولم يستطيعوا أن يستفيدوا مما كتبه العلماء من وصفها ، فلا أقل من أن يدركوا جمالها ويحصلوا متعة العلم بها ، فإن من جهل شيئاً عاداه .

 

ولا تتم وطنية المرء وحبه لبلده إلا إذا عرف وتربى ذوقه على تاريخ أمته قديمها وحديثها ، وفي تربية الذوق تهذيب للنفس.