عندما أدركوا قيمتهم الحقيقية… حققوا الخلود!

صلاح جنيدى يكتب
□□ في زمنٍ لم يكن فيه الضجيج وسيلةَ شهرة، بل كان الإبداع وحده هو التذكرة إلى الخلود، وقف عمالقة الفنّ والأدب في مصر كأنهم أعمدة معبدٍ فرعونيّ، لا يتزحزحون أمام الريح، بل يعلّقون أرواحهم على بوابة الخلود، كي تمرّ الأجيال وتقرأ أسماءهم فتقف إجلالاً.
● أم كلثوم… كانت تدرك أن صوتها ليس مجرد هبة، بل رسالة. لم تكن تغني فحسب، بل كانت تؤمن أن كل كلمة تخرج منها تُعيد تشكيل وجدان أمة. كانت تعلم أن عشق أحمد رامي لها نارٌ تُذكي الشعر، فآثرت أن تظل نار الحب مشتعلة لا تُروى، كي يكتب لها من قلبه، لا من عقله. لم تساوم على حرفٍ أو نغمة. كانت تمضي الليالي تنقّب عن كلمة نقية، عن لحنٍ يليق بصوتها، وكأنها تجوب الكون لتصوغ هوية مصر بصوتها.
● عبد الوهاب، بليغ حمدي، فريد الأطرش، محمد الموجي، كمال الطويل… لم تكن بينهم صراعات إلا كما تتسابق الأنهار على من يُروي أرض الفن أولًا. كان كل منهم يعرف أن الإبداع مسؤولية، وأن التميز ليس خيارًا، بل واجب.
كان كلٌ منهم يعرف قدره، ويعرف أن الفن الحقيقي لا يُصنع في فوضى العابرين، بل في صمت الكبار، في وجع التفاصيل ،،
● عبد الحليم، ذلك العصفور الذي غنّى رغم النزف، كان يُدرك أن الفن الحقيقي لا يُؤدى إلا من القلب، وأن المعاناة وقود الصدق. بذل حياته من أجل أغنية. كان يتصارع مع المرض، لا ليعيش، بل ليُغني. كل خلاف له كان في ميدان الرقي، لا على مالٍ أو شهرة.
… لم يكن يغني ليُسمع، بل يغني ليُشفى، ولِيُشفي. كان يتحدّى المرض، لا طلبًا للحياة، بل طلبًا لأغنية جديدة، لحلمٍ آخر، لمعنى يليق بأن يُخلَّد.
□ أما في محراب التمثيل، فقد وقف محمود المليجي، عبد الله غيث، حمدي غيث، أحمد مظهر، عماد حمدي وغيرهم من عمالقة الدراما والسينما، يتنفسون أدوارهم كما يتنفس الصوفيّ صلاته.
أعمالهم لم تكن مسلسلات وأفلامًا فقط، بل كانت صفحات من تاريخ الأمة.
》من “الرسالة” إلى “الناصر صلاح الدين”، من “المال والبنون” إلى “محمد رسول الله”… كانت وجوههم، أصواتهم، وقاماتهم، تعبيرًا عن عظمة مصر وهي ترتدي ثياب الدراما.
● فاتن حمامة، شادية ، سناء جميل، ماجدة، زهرة العلا… لم يكنّ ممثلات فحسب، بل سفيرات للرقي، تركن بصماتٍ لا تُمحى، لأنهن أدركن أن الجمال الحقيقي لا يُقاس بملامح، بل بحضور لا يُنسى.
● هن .. و كل من أنجبهم المسرح والسينما، لم يكونوا نجوماً فحسب، بل رسل حضارة، يعرفون أن ملامحهم على الشاشة هي وجه مصر في العالم.
□ □ هؤلاء… كلهم…
كانوا يعرفون قيمة أنفسهم، وقيمة ما يصنعون.
– كانوا يعلمون أن ما يقدّمونه لا يخصهم وحدهم، بل هو انعكاس لوجه مصر أمام العالم.
●● فحين صدقوا مع فنهم، نهضت معهم مصر الإبداع .
ارتفعت في عيون الأمم، لا فقط بتاريخها العريق، بل بحضارة فنية حديثة، كانت عبورًا آخر…
عبورًا في الوعي، في الذوق، في الوجدان.
● لقد صنعوا حضارة لا تموت، لأنهم نزفوا العمر بإرادة الخلود،
ولأنهم حين أمسكوا بالقلم أو الميكروفون أو وقَفوا أمام الكاميرا، أو على خشبة المسرح ..
كانوا يكتبون اسم مصر في دفتر الفن العالمي… لا بالمداد، بل بالروح.
● كلهم… نعم، كلهم كانوا يعرفون قيمة أنفسهم. لم يسمحوا لسوقية الزمن أن تُشوّه ملامح فنهم. نزفوا أعمارهم، لا من أجل الشهرة، بل من أجل أن يتركوا شيئاً يستحق البقاء.
● ● والنتيجة؟
أنهم لم يتركوا فقط أغاني أو أفلامًا أو أبياتًا من الشعر…
بل تركوا حضارة فنية وأدبية…
امتدادًا لمصر ذاتها، وجزءًا من هويتها الخالدة.
●● وها نحن اليوم، كلما أردنا أن نُشفى من ضجيج العشوائية، نعود إليهم…
نبحث عن صوت، عن لحن، عن مشهد، عن بيت شعر… يعيدنا إلى الحقيقة.
يعيدنا إلى زمنٍ كان فيه الإنسان يعرف قيمة نفسه ..
□ □ □