الضمير المصري ــ السعودي

السعودي على أرض «المحروسة» يعيش في وطنه، والمصري عندما تطأ قدمه أرض الحرمين الشريفين تفتح له القلوب الدافئة وترحب به، بمجرد أن تستمع إلى اللهجة.
تلك هي الحقيقة التي لا حقيقة غيرها. لا أشعر أبداً بأنه من الممكن اختراق هذا الجدار الصلد من المشاعر التي صنعها الوجدان، ولا يمكن تزييفها، وغير قابلة أبداً للصدأ.
نتابع بين حين وآخر على «السوشيال ميديا» تجاوزاً هنا أو هناك، لا يعني في عمقه شيئاً، فهو مرتبط بحالة تلك الوسائط الاجتماعية التي في جزء منها تحمل انفلاتاً أخلاقياً. المفروض أن تنشط الأجهزة المعنية، لإيقاف كل ذلك، ووضعه تحت طائلة القانون.
عندما يُكَرَّم فنان مصري في المملكة العربية السعودية، أشعر -بوصفي عاشقاً لوطني- بفخر. حظي الفن المصري بمساحة استثنائية على مدى 5 سنوات، مع بداية انطلاق «هيئة الترفيه»، حتى إنني كنت أجد في البداية مسرحاً لأم كلثوم، تعلوه صور لعدد من أفراد فرقتها الموسيقية، أمثال: محمد القصبجي (العود)، وعبده صالح (القانون)، وأحمد الحفناوي (الكمان). تساءلت وقتها عن مدى ما فعلناه لتكريم هؤلاء الكبار!
بجوار مسرح أم كلثوم كانت تعلو صورة عبد الحليم حافظ بمسرحية «حبيبتي من تكون» تتناول مسيرة حياته، إخراج خيري بشارة، وبطولة عدد كبير من الوجوه الجديدة، وصاحب ذلك معرض لمقتنيات «العندليب».
كل هذا أتاح إنتاج عدد متنوع من المسرحيات، وغيرها ليصبح هناك مخزون استراتيجي، يعاد بثه، وهكذا ينتعش المجتمع بالتعاطي مع الفنون.
الخطة المتعددة التنويعات، قائمة على قراءة صائبة للمواطن السعودي، أشار إليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عرَّاب «الرؤية»، امتدت إلى القطاعات كلها، ومنها الثقافة والفن والترفيه، ولعبت «هيئة الترفيه» دوراً في هذا الشأن.
نرى الآن المبدعين السعوديين يتألقون وتتسع الدائرة إلى الخليج العربي، وكل هذا يقع في إطار رؤية عميقة، هدفها تعميق وعي المواطن، وزيادة الإبداع والتفوق.
لدينا -نحن المصريين- رصيد ضخم جداً من التكريمات التي حظي بها كبار مبدعينا، والقائمة تشمل أسماءً بحجم: عبد الوهاب، والسنباطي، والموجي، وبليغ، ووردة، وهاني شنودة، وصلاح الشرنوبي، وعمر خيرت، ومحمد منير، وغيرهم. قلت يوماً لصديقي هاني شنودة: «حفل تكريمك لم تحظَ بمثله أم كلثوم ولا عبد الوهاب في حياتهما». كان صلاح الشرنوبي في عقد التسعينات أكثر ملحن على الساحة يغني الجميع أنغامه. حققت ألحانه للمطربين العرب والمصريين أعلى أرقام في الأداء العلني، وبعد التكريم عادت أنامله مجدداً لمداعبة أوتار عوده ليمتعنا بالمزيد.
«هيئة الترفيه» ماضية قدماً في النهوض بالفن السعودي والخليجي تمشياً مع اتساع «الرؤية». الجمهور في العالم يتعاطى مع الفنون بكل اللغات واللهجات.
الوجدان المصري السعودي عصيٌّ على الاختراق، لا أشك مطلقاً في صدق ذلك. أعيدكم إلى كلمات المطرب الكبير محمد عبده؛ إنه ليس -فقط- فناناً عربياً كبيراً بمشوار عريض يربو على 60 عاماً، ولكنه صار من أهم ملامح هذا البلد العظيم. عندما يُذكَر اسم المملكة فمن المؤكد أن أول فنان يحتل المقدمة هو محمد عبده الذي قال: «بحِب مصر، وأفضالها كتير عليَّ، أغنى دولة عربية هي مصر».
تلك هي المشاعر التي علينا أن ننصت إليها بقلوبنا قبل آذاننا!