العدالة والمساءلة: هل هي حامي الديمقراطية أم أداة سياسية في يد المالكي لقمع المعارضين؟

إيلاف من بغداد: منذ إعلان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تشكيل تحالف الإعمار والتنمية وانضمام مجموعة من النواب المؤثرين ذوي الحضور الشعبي إليه، بدا أن هذه الخطوة لم تمر مرور الكرام لدى نوري المالكي. فبالنسبة لزعيم ائتلاف دولة القانون، كان ذلك مؤشراً على تحرك سياسي قد يهدد نفوذه، ما دفعه – وفق مصادر سياسية – إلى التفكير في استدعاء أدوات الضغط القديمة، وعلى رأسها هيئة المساءلة والعدالة.
مصادر من الإطار التنسيقي (المظلة الجامعة للأحزاب الشيعية والفصائل المسلحة) قالت إن المالكي «يسعى لمعاقبة أحزاب وقوى يرى أنها تمثل خطراً على موقعه، ومنها تحالف الإعمار والتنمية بقيادة السوداني»، مشيرة إلى أن التحالف يضم مرشحين يمثلون واجهات حزبية مؤثرة، وشخصيات عشائرية وسياسية ذات ثقل، فضلاً عن أسماء انشقت عن حزب المالكي، مثل النائبة عالية نصيف، التي قد تُدرج على قائمة المستبعدين بدعوى الانتماء السابق لحزب البعث.
هذا التوتر يأتي فيما سبق للسوداني أن طلب رسمياً نقل ملفات الهيئة إلى القضاء، كخطوة أولى لحلّها، تنفيذاً لاتفاق سياسي ضمن ائتلاف إدارة الدولة. لكن الطلب قوبل بالرفض من رئيس الهيئة، وبدعم من قوى داخل الإطار التنسيقي.
من «حارس البوابة» إلى أداة سياسية
منذ تأسيسها عام 2008، روّج المالكي لهيئة المساءلة والعدالة باعتبارها سداً يمنع عودة البعث إلى الحياة السياسية. لكن، وفق اتهامات خصومه، سرعان ما تحولت الهيئة إلى أداة لتصفية الحسابات، خصوصاً ضد المنشقين عن حزبه أو المنتقدين لسياساته.
أبرز الأمثلة كان قبيل انتخابات 2010، حين شُطبت أسماء مئات المرشحين بقرارات الهيئة. خلف الكواليس، تقول مصادر سياسية إن القائمة شملت خصوماً خرجوا من عباءة دولة القانون، وسبق القرارات حملات إعلامية منظمة لتشويههم بتهم بعثية، حتى وإن كانت علاقاتهم بالحزب قد انقطعت منذ عقود.
امتلاك المالكي لمفاتيح السلطة التنفيذية والأمنية حينها منحه، بحسب منتقديه، قدرة على التأثير في قرارات الهيئة وتوقيتها. بعض النواب الذين تجرأوا على انتقاده وجدوا أنفسهم فجأة محرومين من الترشح أو مهددين بفقدان مقاعدهم. وحتى حين أُعيدت بعض الأسماء بضغط دولي، كانت الرسالة واضحة: من يملك مفاتيح الهيئة يملك القدرة على إعادة رسم خريطة البرلمان قبل التصويت.
ترهيب المعارضين وإعادة رسم الخريطة النيابية
لم يقتصر الأمر على استهداف الانتخابات، بل امتد إلى الحاضر. قرارات مفاجئة بإسقاط عضوية نائب أو تعليق مشاركته فتحت المجال أمام إدخال بدائل أكثر ولاءً للمالكي. وبذلك تحولت الهيئة، في نظر منتقديها، إلى أداة لإعادة تشكيل التوازنات داخل البرلمان حتى في منتصف دوراته.
الانشقاقات داخل دولة القانون أو الكتل الحليفة واجهت المعاملة ذاتها التي واجهها المعارضون من خارج المعسكر. ومع كل قضية جديدة، انقسم الرأي العام بين من يرى القرارات تطبيقاً للقانون، ومن يعتبرها انتقاماً سياسياً بعبارات دستورية.
إرث مستمر وسؤال معلّق
إرث المالكي في هذا الملف استمر حتى بعد مغادرته رئاسة الوزراء عام 2014، بفضل شبكة علاقاته داخل مؤسسات الدولة، ومن ضمنها الهيئة. مراقبون يرون أن تحالفه بين السلطة التنفيذية والهيئات المستقلة أسس لسابقة خطيرة أضعفت مبدأ الفصل بين السلطات، وفتحت الباب أمام تكرار النهج ذاته مستقبلاً.
ورغم دفاع المالكي ومكتبه السياسي عن الهيئة باعتبارها ضرورة لحماية النظام الديمقراطي، فإن التوقيتات المشبوهة وحصر الاستهداف في شخصيات معارضة أو منشقة عززت صورة الهيئة كأداة إقصاء.
اليوم، ومع تراجع وضعه الصحي – رغم النفي الرسمي – يظل السؤال الأهم مطروحاً: هل كان المالكي حارساً للديمقراطية، أم مهندساً لنظام سياسي تحكمه الولاءات والخضوع؟ إرث هيئة المساءلة والعدالة ترك ندبة عميقة في جسد السياسة العراقية، ندبة قد لا تلتئم ما دامت المؤسسات تُدار بعقلية الصراع لا بعقلية الدولة.