جسر الفرح بين لبنان ودول الخليج

جسر الفرح بين لبنان ودول الخليج

د. نسيم الخوري

أجيالنا الفتيّة مسكونة بالسؤال اليومي: أيمكننا الهجرة والإقلاع عكس الحياة في لبنان؟ لا تنتهي عشرات بل مئات الأسئلة المتدفقة فوق رؤوسنا في الأرجاء اللبنانية. بتّ مسكوناً بهموم الشباب وكأنّ أظفار المسؤولين تنغرس في حاضرهم ومستقبلهم وألسنتهم. قالت طالبة «الأسماك لن تعيش في الصحراء». وقالت ثانية «ماذا يعني لك العطش إن لم يكن في الدنيا ماء؟» سألت ثالثاً أن يُزيل نظارتيه السوداوين في قاعة المحاضرات فقال إنّه يرى العالم غارقاً في السواد. ضحك الجميع. معظم اللبنانيين لا الشباب مسكونون بهواجس الخوف من المستقبل، لا لأنّ تدفق الأخبار والانقسامات عبر الشاشات والعلاقات تخيم على أحلام السعادة، بل لأنّ جديداً يحول لبنان لبنانين وأكثر.1- لبنان المُقيم ولا أرقام نهائية له، ولا يمكن تفصيل مشاربه وحاضره ولا إشارات لمستقبله. يبدو لك متسمّراً عبر مواقف صوّانية متحجّرة ومخيفة ومشحونة بتجدد الحروب والخرائب والتحديات حتى الموت، إلى تراكمات العجز والفقر والافتقار لدى أبنائه البسطاء المقيمين بكوارث مذاهبهم وسياسييهم وطوائفهم وأحزابهم التي لا تُعد وصراعاتهم، إذ تُراهم مسكونين بانتظاراتهم لثمار القسم الجديد للعهد الجديد الذي لم يترك الجنرال الرئيس جوزيف عون لحظة مذ دخوله قصر بعبدا إلا وكللها ببثّ الثقة بالمستقبل ولو بإشارة أو لقاء أو عبر زيارة تحميل مسؤولية أو مغادرة إلى آخر درجات بث الثقة بالمستقبل.2- لبنان المغترب المهاجر وليس بين أيدينا سوى تحويل ما تيسّر للأهالي والصراع السخيف الدائر بين اللبنانيين بالمعاني المذهبية والطائفية إن كنّا مُقبلين على تعديل قانون الانتخابات البرلمانية القادمة بصورة يُسمح فيها للبنانيين وأولادهم وأحفادهم الذين غادروه ويتلهفون إلى العودة إليه بأن يشاركوا في هذه الحقوق الانتخابية في العصر الرقمي أم لا. يا للعيب! من يعرف أعداد اللبنانيين المقيمين خارج وطنهم لبنان؟الجواب «يُقدّر عدد اللبنانيين المغتربين والمُقيمين خارج لبنان بنحو 10 ملايين نسمة بما يتجاوز ضعف المُقيمين» وهذا الرقم يشمل الأحفاد والأنساب من مختلف الطوائف والجنسيات. «زعماء» بعض لبنان السياسي/ الحزبي المُقيم لا يقبل، وفقاً للقانون الحالي الذي لا يمكن أن يستقر على قوس قُزح في قرن الذكاء الاصطناعي إلا ب6 نوّاب فقط يمثلون المغتربين من بين 128 نائباً يشكلون مجلس النواب اللبناني الذين سينتخبهم المقيمون وعددهم وفقاً لعام 2024 خمسة ملايين و806 آلاف نسمة، أي مستقبل وعقل سياسي يتحكم بالعصا في مسيرة التاريخ؟3- الجواب «جسر السعادة بين لبنان والخليج» كما سماه طالب. نحن هنا أمام لبنان ثالث آخر. لقد غطّت وتُغطّي دموع الفرح، نعم الفرح والرضى، المبلولة بالخوف اللبنانيين بانتظار أولادهم وأحفادهم وبناتهم وأقاربهم عبر خطوتين من الخليج نحو مطار بيروت وفي ردهاته سهروا وناموا.إنني على يقين بأن معظم اللبنانيين لم يقرؤوا ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، «إن عدد المسافرين عبر مطار دبي الدولي سيبلغ 96 مليون مسافر بحلول نهاية العام الجاري، ما سيمكّننا من بلوغ حاجز ال100 مليون مسافر».لماذا جسر السعادة؟ تسبقني الكلمات كاتباً: اسألوا اللبنانيين المقيمين الذين أكلهم العوز بل الفقر المدقع والظلم غير البشري عن أحوالهم في هذه الدولة العلية: كيف تتماسكون؟ الجواب واحد، لولا إمارات الخليج العربي التي تفتح الأبواب والقلوب لأولادنا وبناتنا وعائلاتنا وأحفادنا هناك لأكلنا العوز والجوع. من يعترض على هذا الكلام الصريح فعليه أن يطرح سؤالاً واحداً حول واقع الأمر وبموضوعية فائقة، ولننتظر الجواب!هنا مثال واحد صارخ في وجه الدولة اللبنانية الجديدة: في العالم 31097 جامعة ومعهد. تحتل الهند المرتبة الأولى، أي 5349، وبعدها والولايات المتحدة في المرتبة الثانية 4000، وفي لبنان الصغير 48 جامعة. كاتب هذه السطور يحمل درجتي دكتوراه في الفكر العربي والإسلامي، وأجد نفسي مع كبار الأساتذة المتقاعدين المتخرّجين في أرقى جامعات العالم وهم بناة التعليم العالي بانتظار 800 دولار شهرياً على أبواب المصارف التي سطت على مدخراتهم، وقد يجدون أنفسهم أو أفراد عائلاتهم على أبواب المستشفيات ينتظرون رحمات الله عزّ وجلّ.

nassim.khoury.com