لبنان تجاوز الخوف الدائم.. فمتى ستتحرر المؤسسات من “أسلحة” النفوذ؟

لبنان تجاوز الخوف الدائم.. فمتى ستتحرر المؤسسات من “أسلحة” النفوذ؟

يُسجَّل لعهد الرئيس اللبناني جوزيف عون عبور نفق الخوف المزمن من المسّ بسلاح حزب الله. الظروف تغيّرت، ومعها معادلات النفوذ الداخلي والإقليمي، وحسناً فعلت الحكومة بانتصارها لحق الدولة في حصر السلاح بيد المؤسسة العسكرية.

في القراءة السياسية، يمكن اعتبار تحديد مهلة حصر السلاح بيد الدولة مع نهاية العام الجاري محاولة لشراء الوقت، لحين بلورة مستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران.

انسحاب الوزراء الشيعة من الجلسة التاريخية للحكومة، الخميس الماضي، أظهر كيف أنّ “دويلة الثنائي الشيعي” لا تزال متماسكة رغم حجم الضغوط، وهي – بالمناسبة – جزء من منظومة دويلات الطوائف بأعلام لا تزال تمسك بمفاصل النفوذ في إدارات الدولة.

من حق “دويلة” الثنائي الشيعي المطالبة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، فالمثل اللبناني يقول: “اللي عم ياكل عصي مش متل اللي عم يعدها”. تماماً كما أنّ من حق الدولة اللبنانية أن تنزع مبررات الاعتداء، تطبيقاً لمثل لبناني آخر يقول: “حدا بيجيب الدب لكرمه”، والكرم هنا هو بستان العنب.

نعم، لقد خطا العهد خطوة جسورة نحو استعادة هيبة الدولة، وإن كان بعض المراقبين قد توقفوا أمام أهمية لو لحظ البيان الحكومي بالاسم السلاح الفلسطيني إلى جانب سلاح حزب الله. حتى الآن لا مصير السلاح الفلسطيني محسوم، ولا مصير فلسطينيي المخيمات محسوماً، في ظل إلغاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عملياً ما كان يُعرف بـ”حق العودة” للفلسطينيين.

السلاح – أي سلاح خارج سلطة الدولة – هو معول هدم للسيادة. الدويلات بأنواعها التي نمت وترعرعت خلال العقود الماضية معاول هدم للسيادة والهوية الوطنية، وعلى العهد الجديد المضي قدماً في مهمة استعادة الدولة، وإعادة تصويب بوصلة الانتماء للوطن لا للطائفة وزعيمها.

يدرك العهد الجديد في لبنان أنه تحت مجهر الرصد الإقليمي والدولي، ويدرك أيضاً – وهو الأهم – أنه مقيَّد بمسؤولية إحياء أمل اللبنانيين بإعادة بناء دولة الوطن. صحيح أن مسار إعادة بناء دولة المؤسسات طويل وشاق، تتقاطع فيه عداوات ومصالح، وقلة قليلة من مكونات قوى الأمر الواقع السياسية تؤمن بأن إعادة بناء الدولة هي خشبة الخلاص في ظل طوفان المتغيرات الإقليمية.

من هنا، ونحن على مشارف الانتخابات النيابية في ربيع العام المقبل، فإن الحكومة برئاسة نواف سلام أمام فرصة تاريخية لإعداد بيئة تنشئة وطنية حقيقية، وتحرير إدارات الدولة من “سلاح” النفوذ السياسي. وقد آن الأوان لأن يصبح التوظيف على قاعدة الكفاءة، لا وفق عرف تساقط التعيينات بالبراشوت من “عواصم” دويلات الطوائف بأعلام.

لبنان اليوم يخطو الخطوة الأصعب في مسار إعادة بناء الدولة. التحديات كبيرة، والعراقيل ستتعاظم، لكن الأمل كبير، وكبير جداً بالعهد الجديد القادم على صهوة الشرف والتضحية… والوفاء للقسم.