السيستاني يؤيد دمج “الحشد” في القوات المسلحة لكنه يعارض الجيش العقائدي

السيستاني يؤيد دمج “الحشد” في القوات المسلحة لكنه يعارض الجيش العقائدي

يقول مهتمون بشؤون إيران الإسلامية والعراق وحتى لبنان إنهم لمسوا في العاصمة طهران وفي مناطق أخرى خارجها تأييداً كبيراً للنظام القائم فيها منذ عام 1979. يشمل ذلك المؤيدين له بقوة وكذلك الخصوم. ويقولون أيضاً إنهم لمسوا تفاجؤاً كبيراً بالاختراق الكبير للدولة والمجتمع والمؤسسات الذي قامت به إسرائيل فيها، واستطراداً الولايات المتحدة. طبعاً يعرف هؤلاء أن النوع المذكور من الاختراقات يحصل في كل بلدان العالم، لكنهم فوجئوا بحجمه ولا سيما بعدما شمل عدداً مهماً من مؤسسات العسكرية والأمنية وحتى النووية. لا يعني ذلك أن الأعداء الألداء للنظام غيّروا مواقفهم المعادية له بنسبة مئة في المئة. بل يعني أن الفئة “الرمادية” منهم، أي التي تؤيّد النظام عموماً وتعترض بقوة على ممارسات كثيرة له في الداخل مثل الفساد المتنوّع داخل مؤسسات الدولة المدنية والإقتصادية والعسكرية، وقفت في الحرب الأخيرة إلى جانب النظام في البلاد. اللافت هنا، وفق المهتمين بعد قيامهم بزيارة طهران إثر الحرب، أنهم لاحظوا تغييراً قد تكون الحرب فرصته ولا أحد يعرف إذا كان سيستمر بعد أن تستقر الأوضاع في الداخل والعلاقة مع الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة وأوروبا. التغيير هو إقدام عدد مهم من النساء والشابات على عدم ارتداء الحجاب، أي الزي الإسلامي، وعلى عدم وضع غطاء للرأس. كان ذلك كله إلزامياً في السابق ولا سيما قبل الحرب الأخيرة ولا يزال. هذه الظاهرة لوحظت ليس في العاصمة طهران فقط، بل في مناطق عدة بعيدة منها ومعروفة بانتشار المحافظين دينياً فيها، مثل مدينة العلماء قم وغيرها. ماذا عن إيران وأميركا في رأي المهتمين أنفسهم بشؤون إيران الإسلامية، وخصوصاً أن زياراتهم لها صارت دورية؟ يتردّد في العاصمة طهران كما في مناطق أخرى أن الولايات المتحدة لا تزال تميل إلى “تركيب” محور إقليمي جديد ونافذ في الشرق الأوسط يتألف من إيران وتركيا وإسرائيل. هذا أمرٌ يتكرّر في أحاديث المهتمين بسياسة بلادهم والمتابعين لها من قرب. وهو قد لا يكون مستحيلاً. ماذا عن العراق في رأي المهتمين به من العراقيين الذين يتابعون التطورات فيه وعلاقة إيران به؟ يجيب هؤلاء بأن “الحشد الشعبي” يريد أن يلتحق أو يتطوّع في الجيش. وذلك أمرٌ عادي في أي بلد تنشأ فيه ميليشيا عسكرية وتشهد خلافات داخلية في ما بينها ومع القوى الأمنية والعسكرية الرسمية، رغم الاتفاق الظاهري بين هؤلاء والدولة واشتراك الجميع في اعتبار الجمهورية الإسلامية الإيرانية حليفة لهم ولبلادهم ولدولتهم فيها. لكن المطلوب هو أن يبقى الجيش بعد انضمام هؤلاء إليه جيشاً وطنياً لا جيشاً عقائدياً ولا جيشاً تسيطر عليه الميليشيات السابقة وتتقاتل في ما بينها داخله وتحرص في الوقت نفسه على بقاء إيران ذات دور أساسي فيه. لكن السؤال الذي يُطرح هنا هو: هل ينجح الغرب وزعيمته أميركا في “تشليح” إيران جيش العراق وفي تحويله جيشاً وطنياً لا جيشاً إسلامياً عقائدياً؟ لا يعني ذلك طبعاً أن العراق سيكون يوماً دولة مدنية وأن جيشه سيكون مدنياً مثلها. بل يعني أنه سيُصبح، أو يجب أن يُصبح جيشاً وطنياً محترفاً ملتزماً قرارات الدولة والسلطات الرئيسية، وفي مقدمها رئاسة الحكومة بعدما أصبحت من زمان المنصب الأول في البلاد. ذلك أن شاغلها كان وسيبقى دائماً على الأرجح شيعياً، لكون الشيعة الطائفة الأكبر عدداً في العراق. هل هناك جهة عراقية قادرة بما لها من نفوذ ناجم عن الاحترام الديني أولاً، على تسهيل أمر توحيد القوى العسكرية الميليشيوية العقائدية إسلامياً، والتابعة لإيران مع الجيش “المحترف”، بحيث لا يكون الأخير ممثلاً لطهران وصوتاً لها فيه ودوراً معطلاً للسلطة وخصوصاً لمجلس الوزراء ورئيسه إذا سارا في اتجاه تعزيز استقلال البلاد عن إيران مع التعامل معها كدولة صديقة؟ صار ذلك ضرورياً لأن سيطرة إيران على العراق لم تقتصر فقط على السياسة بل شملت الاقتصاد والنفط والمال، الأمر الذي أصاب الاقتصاد العراقي بالوهن ومعه العملة الوطنية، وعمّم الفساد في الداخل. وهذا أمرٌ لاحظته الولايات المتحدة التي لها جيشٌ في العراق وتتابع تطورات الحياة السياسية فيه من قرب. يبدو أنها صارت أكثر إقداماً في التدخل لإصلاح مكامن الخلل في الدولة العراقية وجيشها واقتصادها وعملتها. السبب هو الحرب العسكرية التي شنّتها إسرائيل والولايات المتحدة على إيران قبل مدة قصيرة والتي لم تُبلِ الأخيرة فيها بلاءً حسناً رغم صمودها والتغيير الذي حصل في سوريا، فأخرج إيران وحلفاءها منها. والمرجّح أن يلغي ذلك أو يُضعف كثيراً دور إيران في المنطقة العربية كلها ويعيد تركيزها على المناطق الإسلامية ولكن غير العربية المحاذية لها. أما بالعودة إلى دور السيستاني في الداخل وفاعليته فيمكن القول إنه فاعل جداً. فهو دافع عن مقتدى الصدر يوم قرّر خصومه في “الحشد الشعبي” ضربه، إذ وقف معه ومنع القضاء عليه عسكرياً. كما أنه منعه من النزول إلى الشارع بعدما كان قرر ذلك. المهم في موقف السيستاني هو أنه يريد كل الفصائل في جيش العراق لكنه لا يوافق على “جيش عقائدي” يكون تابعاً لإيران.