غزة تعزز التوتر بين نتنياهو وزامير، والاستراتيجية الجديدة تتطلب السيطرة الكاملة على القطاع.

تكاد وسائل الإعلام الإسرائيلية تُجمع على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بضوء أخضر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد اتخذ قراراً بتوسيع حرب غزة وصولاً إلى إعادة احتلال القطاع بالكامل في سياق ما يوصف بـ”الاستراتيجية المحدثة”، التي تنص وفق نتنياهو على “تحقيق أهداف الحرب الثلاثة: هزيمة العدو، تحرير رهائننا، وضمان ألا تشكل غزة تهديداً لإسرائيل بعد الآن”. هذه الاستراتيجية تنتظر قرار المجلس الوزاري المصغر (الذي يفترض أن يكون قد انعقد أمس)، لأخذ المصادقة عليها، على رغم أن رئيس الأركان الجنرال إيال زامير نقل عنه أنه يعارض الخطة الجديدة لأسباب تتعلق باحتمال تعريض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر، فضلاً عن المخاطر المتعلقة بغرق الجيش الإسرائيلي في حرب استنزاف طويلة، في الوقت الذي تتحدث تقارير كثيرة عن حالة الإنهاك التي يعانيها الجنود بعد 22 شهراً من الحرب. أمام تحفظ زامير على التصعيد الشامل، فإن الإعلام الإسرائيلي يتحدث عن نفاد صبر نتنياهو من رئيس الأركان وأنه أبلغه صراحة بأن في إمكانه الاستقالة، في حال لم يلتزم بما تقرره الحكومة. موقف زامير، يترافق مع تصاعد موجة التشكيك داخل إسرائيل بأخلاقية الحرب مع تدفق صور الجياع من غزة. وذلك مرتبط بتزايد أعداد الإسرائيليين الذين يطرحون أسئلة صعبة تتعلق مباشرة بما إذا كانت إسرائيل قادرة على تدمير “حماس” وإطلاق الأسرى، بينما يعتقد إسرائيليون كثر أن نتنياهو يطيل أمد الحرب لأسباب لها علاقة ببقائه السياسي. دبابات وجنود إسرائيليون عند مشارف قطاع غزة. (أ ف ب) يترجم ذلك في معارضة قادة عسكريين وأمنيين سابقين مواصلة الحرب. وامتدت هذه المعارضة للمرة الأولى إلى شريحة واسعة من المثقفين، إذ وقّع ألف فنان وموسيقي عريضة تدعو إلى وقف الحرب وإدخال المساعدات إلى غزة لتجنب انتشار الجوع. كذلك، فإنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي كانت تتجنب الإشارة إلى أعداد الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، شرعت في الآونة الأخيرة تفرد تغطية لافتة لما يجري في غزة، خصوصاً بعد انتشار الجوع. ومقدمة البرامج المعروفة في القناة الثانية عشرة الإسرائيلية يونيت ليفي، تتحدث عن أن “الانهيار الأخلاقي” هو السبب في تشكل الصورة السلبية عن إسرائيل في العالم، وليس الإخفاق الديبلوماسي. والكاتب في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أمير تبون، ينتقد ترامب، الذي سمح لنتنياهو باستئناف القتال في آذار/مارس بعد هدنة الشهرين التي اتفق عليها في كانون الثاني/يناير، ويذكّر بأن الصفقة الشاملة التي تتحدث عنها الإدارة الأميركية اليوم كانت متاحة عبر المفاوضات التي كانت جارية خلال الهدنة السابقة. لكن نتنياهو اختار العودة إلى القتال أملاً في ممارسة مزيد من الضغط العسكري على “حماس”، كي يحظى باتفاق يلبي شروطه. لكن ماذا كانت النتيجة؟ حصار مطبق أفضى إلى مجاعة في غزة وتدهور صورة إسرائيل في الغرب، وإعلان دول أوروبية رئيسية مثل فرنسا وبريطانيا، إلى كندا، استعدادها للاعتراف بدولة فلسطينية في أيلول/سبتمبر في حال لم توقف إسرائيل الحرب والمجاعة، فضلاً عن مقتل 50 جندياً إسرائيلياً منذ آذار. يضاف إلى ذلك، إخفاق “مؤسسة غزة الإنسانية” التي ابتكرها نتنياهو كي يقول للعالم إن إسرائيل تدخل المساعدات الإنسانية إلى غزة لكن “حماس” هي التي تقوم بسرقتها لتبيعها في الأسواق لتمويل عملياتها العسكرية. سردية لم تلقَ التجاوب الذي نشدته الحكومة الإسرائيلية، حتى من دول معروف عنها تأييدها لمواقف الدولة العبرية. وحتى داخل الولايات المتحدة، بدأت صور الجياع في غزة تحدث تأثيراً لدى مشرعين ديموقراطيين، تتسم مواقفهم في العادة بتأييد مطلق لإسرائيل. وتقف الصحف الأميركية عند هذا التطور، وتتحدث عن أسماء معينة لم يكن يرقى شك في “صهيونيتها”، مثل النائب الديموقراطي ريتشي توريس. التحولات في الرأي العام داخل إسرائيل والولايات المتحدة، لا تحدث الأثر المتوخى على قرار نتنياهو، طالما أنه يحظى بتأييد ترامب.