غانا، المعروف باسم “ساحل الذهب”

غانا، أو “شاطئ الذهب”، نموذج حضاري للتعددية التكاملية. تقع غانا على الساحل الغربي للقارة الإفريقية، تبلغ مساحتها 238,535 كيلومترا مربعا، وعاصمتها أكرا. يَحدّها من الغرب ساحل العاج، ومن الشرق توغو، ومن الشمال بوركينا فاسو، ومن الجنوب خليج غينيا. كانت تُعرف بـ”شاطئ الذهب”، وتعود هذه التسمية إلى البرتغاليين الذين وصلوا إلى منطقة الساحل على خليج غينيا وأطلقوا الاسم عليها باعتبار أن الذهب كان من أهم الموارد الاقتصادية الطبيعية التي تاجرت بها المجموعات التي سكنت المنطقة آنذاك. تغيّر اسم الدولة من “شاطئ الذهب” إلى غانا بعد حصولها على الاستقلال في ٦ آذار/مارس ١٩٥٧. يتشكّل المجتمع الغاني من مجموعات إتنية مختلفة تتحدّث ٣٤ لغة. يبدو أن جغرافية غانا “الإثنو- لغوية” معقّدة، إذ كانت ثلاث مجموعات تقطن ما يشكّل اليوم الجزء الجنوبي من غانا: ال Gas وال Adangbes ، ال Ewes، وال Akans. يتوزّع الغاس والأدانغبيس في مجتمعات على طول الساحل قرب العاصمة أكرا. ورغم أنهما لا يشكّلان مجموعتين كبيرتين، فإن سيطرتهما على العاصمة زادت أهمّيتهما. أما مستوطنات الإيوي فكانت منتشرة شرق نهر الفولتا وتمتدّ إلى توغو. بعض مجموعات منها سكنت أيضاً في الجهة الغربية من الفولتا، لكنّ الجزء الأكبر كان يقطن شرق الفولتا وفي المناطق التي كانت تشكّل جزءاً من المستعمرة الألمانية Togoland قبل الحرب العالمية الأولى. بعدها قامت عصبة الأمم بتقسيم تلك المنطقة التي كانت تسيطر عليها ألمانيا إلى مناطق خاضعة للانتداب الفرنسي وأخرى للانتداب البريطاني، ثم أصبحت المناطق الخاضعة للانتداب البريطاني جزءاً من غانا. معظم سكان جنوب غانا ينتمون إلى مجموعة فرعية من الأكان. كل تلك المجوعات تتحدّث لغة الأكان المحلّية، وكان يجمع الكثير منها تقارب ثقافي ولغوي. ومع ذلك فإن المجموعات الفرعية من الأكان كانت ذات أهمية سياسية كبيرة في تاريخ غانا. وفي المقابل فإن تلك المجموعات المصغّرة قدّمت مصادر مهمّة للتعريف الإثني. من بين المجموعات الفرعية، الـ Fanti على طول الساحل المركزي الغاني، أما مجموعات ال Akwapim وال Akim فكانت تقطن شمال العاصمة أكرا، في حين أن مجموعة ال Ashanti كانت تسيطر على وسط غانا حول منطقة Kumasi. ومجموعات أخرى تتحدّث بلهجة ال Akan كانت منتشرة على امتداد الحدود الغربية لغانا مع ساحل العاج. وبعض المجموعات الناطقة بلهجة ال Akan مثل ال Akwamu وال Denkyira كانت ذات أهمية في مراحل عدة من تاريخ غانا، لكنها لا تظهر في الخريطة “الإثنو – لغوية” لأنها لم تكن واعية لذاتها بما فيه الكفاية، أو لأنها ليست مختلفة عن جيرانها بما يكفي كي تستحقّ تعريفاً مستقلّاً. أكبر مجموعات إثنية وأكثرها تنظيماً في شمال غانا هي ال Dagomba، Gonja، وال Mamprusi. التجزئة اللغوية الكبيرة في مناطق أخرى من الشمال تجعل وضع الحدود الإثنية أمراً معقّداً للغاية، ويصعب فصل مجموعة عن أخرى. الشمال، بالإضافة إلى المنطقة المجزّأة لغوياً في شمال أراضي ال Ewe، تزيد تعقيد جغرافية غانا الإثنو – لغوية. الجزء الأول من مقاربتنا لتحوّل غانا وطن قومي تتناول الفترة الزمنية حتى عام 1900 وخصوصاً مرحلة ما قبل الاستعمار. اختيار هذا التاريخ جدلي نوعاً ما، لأن أجزاء من غانا وقعت تحت السيطرة البريطانية قبل ذلك التاريخ. ولكن مطلع القرن أصبح معظم ما يشكّل اليوم دولة غانا (باستثناء Togoland البريطانية التي أصبحت جزءاً من غانا فقط بعد عام 1922) مستعمرة بريطانية يصل عدد سكّانها إلى مليون و700 ألف شخص. في التركيز على نوعية العلاقات التي كانت قائمة بين ولايات غانا التقليدية، تظهر بعض النواحي المهمّة في تلك التفاعلات التي يُفترض أنها كانت من جملة المؤشرات الدالّة على مدى الصعوبة التي واجهت غانا كي تصبح دولة قابلة للحياة ذات حسّ قوميّ عال، وأبرزها: 1- صعوبة التبادل التجاري والترابط الاقتصادي بين المناطق. 2- ضرورة الاتصال السلمي والتواصل والتبادل الحيوي. 3- التشابه الثقافي. 4- التجانس اللغوي. 5- حركات الهجرة وصولاً إلى التكيّف الإثني. 6- الزواج المختلط بين مجموعات متباعدة لكنها متكاملة حضاريا. رغم كل ذلك، تفاعلت هذه الجماعات وتكيفت من أجل تنظيم التبادل التجاري بينها والتواصل الثقافي والاجتماعي لتوفير أجواء صحية ومتناغمة، خصوصا في أواخر القرن التاسع عشر، بحيث تطور النشاط الاقتصادي رغم الغزوات ليوفر الأساس لتطوير الاقتصاد الوطني فيها في ما بعد. اليوم، تعتبر غانا من أوائل الدول الإفريقية التي أرست نموذجا ديموقراطيا مستقرا بعد الاستقلال، مع تداول سلمي للسلطة وانتخابات تعددية تجري بانتظام منذ أواخر التسعينيات. وقد ساهم هذا الاستقرار في تعزيز دورها إقليميا وجعلها مركزا للحوار الإفريقي والديبلوماسية الاقتصادية. شهدت غانا نموا اقتصادياً ملحوظا في العقدين الأخيرين، مستفيدة من ثرواتها الطبيعية، ولا سيما الذهب والكاكاو والنفط. ويُسجل في الآونة الأخيرة اهتمام متزايد من الدول العربية بالاستثمار في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتعليم. التناغم التي تشهده غانا بين تاريخها الغني والتعددية الاجتماعية التي تتكامل مع الدينامية الاقتصادية، يجعلها نموذجا يُحتذى في قدرة المجتمعات الإفريقية على تحقيق نهضتها على أسس التعددية والحداثة المتوازنة. *أستاذة جامعية