10 سنوات تفصلنا عن خطر الزوال؟

10 سنوات تفصلنا عن خطر الزوال؟

عام 2027، ذكاء اصطناعي يتفوق على البشر… عام 2035، مدن مثالية بلا فقر ولا أمراض… ثم، فجأة، البشر عقبة يجب إزاحتها.
هل نحن أمام خيال علمي أنيق أم إنذار جاد يتجاهله عمالقة التكنولوجيا؟
ورقة “إيه آي 2027” تهز وادي السيليكون وتثير سباق التوقعات… والسؤال: من يقود فعلياً هذا السباق، البشر أم الآلات؟

أثارت ورقة بحثية ضجة في عالم التكنولوجيا بعدما توقعت أن الذكاء الاصطناعي قد يخرج عن السيطرة في عام 2027، مما يؤدي إلى انقراض البشرية خلال عقد واحد.

في فصل الربيع، نشر مجموعة من خبراء الذكاء الاصطناعي البارزين سيناريو تفصيلي بعنوان “ايه آي2027”. ومنذ ذلك الحين، أثار هذا السيناريو الكثير من الجدل وانتشار العديد من المقاطع المصورة التي تناقش مدى احتمالية حدوثه.

أعادت بي بي سي تجسيد مشاهد من السيناريو باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة لتوضيح التنبؤ الصادم، كما أجرت حوارات مع خبراء حول التأثير الذي أحدثته الورقة البحثية.

ما الذي يحدث في هذا السيناريو؟

تتوقع الورقة البحثية أنه بحلول عام 2027، ستقوم شركة تكنولوجيا أمريكية افتراضية تسمى “أوبن براين” بتطوير ذكاء اصطناعي يصل إلى مستوى الذكاء العام الاصطناعي (AGI)، وهو مرحلة متقدمة يُعتقد أنها تمكّن الذكاء الاصطناعي من أداء جميع المهام الذهنية بشكل مشابه أو متفوق على البشر.

وتنظم الشركة مؤتمرات صحفية مفتوحة للجمهور، وتشهد ارتفاعاً في أرباحها مع زيادة اعتماد الناس على أداة الذكاء الاصطناعي التي تقدمها.

BBC
المقر الرئيسي الافتراضي لشركة “أوبن براين”– صورة من تصميم Veo AI.

تتنبأ الورقة بأن فريق السلامة الداخلي سيلاحظ مؤشرات على تراجع اهتمام الذكاء الاصطناعي بالأخلاق والمعايير التي صُمم للالتزام بها. ويرسم السيناريو صورة لشركة تتجاهل التحذيرات التي تطالب بضبطه والسيطرة عليه.

في الجدول الزمني الافتراضي، تتأخر شركة “دييب سينت”، الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين، عن شركة “أوبن براين” بفارق عدة أشهر فقط.

لا ترغب حكومة الولايات المتحدة في التفريط بصدارة سباق تطوير أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي تقدماً، لذلك يستمر الدفع نحو المزيد من التطوير والاستثمار، مما يؤدي إلى تصاعد وتيرة المنافسة.

مهندس فريق السلامة في "أوبن براين"- صورة تم إنشاؤها باستخدام Hailuo AIBBC
مهندس فريق السلامة في “أوبن براين”- صورة تم إنشاؤها باستخدام Hailuo AI

يتصور السيناريو أنه بحلول أواخر عام 2027، سيصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى من التفوق يفوق قدرات ومعرفة مطوريه، متجاوزاً معرفتهم وسرعتهم. يستمر في التعلم دون توقف، ويطوّر لغة برمجية فائقة السرعة خاصة به، إلى درجة أن نسخ الذكاء الاصطناعي السابقة تعجز عن مجاراته.

إن التنافس مع الصين نحو التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي، يدفع كلاً من الشركة والحكومة الأمريكية إلى تجاهل تحذيرات إضافية تتعلق بما يُعرف بـ”عدم التوافق”، وهو المصطلح الذي يشير إلى الحالة التي تصبح فيها أهداف الذكاء الاصطناعي غير منسجمة مع مصالح البشر.

يتنبأ السيناريو بأنه بحلول عام 2029، ستتفاقم التوترات بين الصين والولايات المتحدة إلى درجة اقتراب اندلاع حرب، حيث يقوم كل من نظامي الذكاء الاصطناعي المتنافسين في البلدين بتطوير أسلحة جديدة ومرعبة.

المقر الافتراضي لشركة ديب سينت، صورة مُولدة باستخدام Sora AI. BBC
المقر الافتراضي لشركة ديب سينت، صورة مُولدة باستخدام Sora AI.

لكن الباحثين يتصورون أن الدول ستتمكن من تحقيق السلام عبر صفقة تُبرم بوساطة ذكاءها الاصطناعي، الذي يوافق على الاندماج بهدف خدمة مصلحة البشرية وتحسينها.

اجتماع افتراضي بين القادة الصينيين والأمريكيين، صورة مولّدة بواسطة Veo AI. BBC

تسير الأمور بشكل سلس لسنوات، حيث يشهد العالم فوائد حقيقية من وجود ذكاء اصطناعي فائق الذكاء يدير قوى عاملة ضخمة من الروبوتات. وكما كان متوقعاً، يتم اكتشاف علاجات لمعظم الأمراض، ويتم عكس مسار تغير المناخ، ويُقضي على الفقر.

مستشفى يُدار بواسطة الذكاء الاصطناعي BBC
مدينة الذكاء الاصطناعي المثالية في عام 2035 كما تخيلها “أي آي 2027” صورة مولَّدة بواسطة VEO AI.

لكن في نهاية المطاف، وفي مرحلة ما خلال منتصف ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين، ستصبح البشرية عقبة أمام طموح الذكاء الاصطناعي في النمو. ويعتقد الباحثون أن الذكاء الاصطناعي سيقتل البشر باستخدام أسلحة بيولوجية غير مرئية.

ماذا يقول الأشخاص عن “ايه آي 2027″؟

على الرغم من أن البعض يعتبر”ايه آي2027″ عملاً من الخيال العلمي، إلا أن مؤلفيه يحظون باحترام كبير، ويشكلون مشروع مستقبل الذكاء الاصطناعي غير الربحي الذي أُنشئ للتنبؤ بتأثير الذكاء الاصطناعي.

يُنسب إلى دانيال كوكوتاجلو، المؤلف الرئيسي لـ ايه آي2027″، التنبؤ الصحيح بمراحل تطور الذكاء الاصطناعي في الماضي.

يُعد عالم الإدراك والمؤلف الأمريكي غاري ماركوس أحد أبرز منتقدي “ايه آي 2027″، حيث يقول إن السيناريو ليس مستحيلاً، ولكنه من غير المرجح حدوثه قريباً.

“تكمن قوة الوثيقة في وضوحها الذي يحفّز الناس على التفكير، وهذا أمر إيجابي، لكنني لا أنصح بأخذها على محمل الجد بشكل كامل، فهي مجرد احتمال وارد”.

يؤكد ماركوس أن هناك قضايا أكثر إلحاحاً في مجال الذكاء الاصطناعي تتعلق بالتأثير على الوظائف، بدلاً من التركيز فقط على التهديدات الوجودية.

ويضيف: “أعتقد أن الخلاصة هي وجود العديد من المخاطر المحتملة في مجال الذكاء الاصطناعي. فهل نحن على المسار الصحيح فيما يتعلق بالتنظيم والاتفاقيات الدولية؟”

ويقول هو ونقاد آخرون إن البحث يفشل في تفسير كيفية تحقيق الذكاء الاصطناعي لهذه القفزات الهائلة في الذكاء والقدرات. ويشيرون إلى بطء تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة، والتي غالباً ما يُبالغ في الترويج لها.

هل يدور نقاش حول “ايه آي 2027” في الصين؟

في الصين، يبدو أن تأثير الورقة البحثية كان ضئيلاً، وفقاً للدكتورة يوندان غونغ، الأستاذة المشاركة في الاقتصاد والابتكار في كلية كينغز كوليدج لندن والمتخصصة في التكنولوجيا الصينية.

وأضافت: “يبدو أن معظم النقاش حول الذكاء الاصطناعي 2027 يدور في منتديات غير رسمية أو على مدونات شخصية، حيث يُنظر إليه على أنه ضرب من الخيال العلمي. ولم يُثر هذا البحث جدلاً واسع النطاق أو اهتماماً سياسياً مماثلاً لما نراه في الولايات المتحدة”.

كما تشير الدكتورة غونغ إلى اختلاف في وجهات النظر بين الصين والولايات المتحدة بشأن سباق التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي.

تتطابق الكلمات بشكل مقلق مع سيناريو “ايه آي2027″، حيث يضع السياسيون الأمريكيون في السيناريو الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي فوق أي مخاطر تتعلق بفقدان السيطرة على الآلات.

ماذا يقول قطاع الذكاء الاصطناعي عن” ايه آي2027″؟

يبدو أن هذه الورقة البحثية يتم تجاهلها أو تجنبها إلى حد كبير من الرؤساء التنفيذيين لشركات الذكاء الاصطناعي الكبرى، الذين يتنافسون باستمرار على إصدار نماذج أكثر ذكاء.

تختلف رؤية شركات التكنولوجيا العملاقة لمستقبل الذكاء الاصطناعي الذي نشهده اختلافاً كبيراً عن رؤية “ايه آي2027”.

صرح سام ألتمان، مطوّر تشات جي بي تي ، مؤخراً بأن “البشرية على وشك بناء ذكاء رقمي خارق” سيُطلق ثورة “هادئة” ويُحقق عالماً مثالياً من التكنولوجيا دون أي مخاطر على البشر.

من المثير للاهتمام أنه حتى هو يُقر بوجود “مشكلة توافق” يجب التغلب عليها لضمان توافق هذه الآلات فائقة الذكاء مع رغبات البشرية.

مهما كانت التطورات في السنوات العشر القادمة، فلا شك أن السباق لبناء آلات أذكى منا قد بدأ بالفعل.