هل تؤكدون أنكم أكثر شرفًا من أن تعرضوا مشروع إقامة الدولة للخطر؟

حمل خطاب رئيس الجمهورية جوزف عون أمس عشية العيد الثمانين للجيش اللبناني، مواقف حاسمة، ومهّد الطريق لجلسة مجلس الوزراء الثلثاء المقبل، والتي موضوعها “حصر السلاح”، وهو الملف غير القابل للتأجيل بعد اليوم، لا تحدّياً لـ”حزب الله” أو غيره، ولا تسليماً لإسرائيل أو أميركا أو غيرهما، بل دفعاً لمشروع بناء الدولة. وكل تصدّ للمشروع لا يفسّر إلا تمسكاً بالميليشيا والجزر الأمنية والأمن الذاتي، ورفضاً لمشروع الدولة التي يتوق إليها الجميع بعدما خبروا ويلات الحروب. تلك الحروب التي لم ينفع معها سلاح أثير الكثير عن فاعليته في التصدي والهجوم، ما يعني الحماية. وهذه الأخيرة سقطت بالضربة القاضية. الدولة كلها أمام التحدّي الثلثاء، وتثار الإشاعات من كل حدب وصوب، حول مقاطعة شيعية لمجلس الوزراء، أو استقالة من الحكومة، وصولاً إلى ما يشبه 7 أيار 2008، حتى لتبدو الشيعية السياسية مناقضة لمشروع الدولة، وعدوة المؤسسات، وهو ما بدأ يجمع ضدها كل أطراف الداخل والخارج. كلام الشيخ نعيم قاسم، يعبّر عن فئة واسعة من اللبنانيين، تتمثل في مجلس النواب، ومجلس الوزراء، ولها الحق في التعبير الديموقراطي هناك، وضمن الأطر السياسية الطبيعية، في مقابل كلام حاسم جازم لرئيس البلاد جوزف عون الذي يحظى بدعم واسع داخلي وخارجي، ويكفيه أنه رئيس الدولة والمؤتمن على الدستور والأمة. في مقابل حملة التهويل المستمرة منذ أيام، خرج الرئيس جوزف عون في عيد الجيش، ومن وزارة الدفاع تحديداً، عرين المؤسسة العسكرية الوطنية، ليطلق المواقف التي لا تقبل التأويل، انطلاقاً من “مسؤوليته التاريخية، وانطلاقاً من صلاحياته الدستورية المنصوص عليها في المادة 52 من الدستور، واحتراما لليمين التي حلفتها، ولخطاب القسم، أرى من واجبي اليوم، أن أكشف للبنانيين، وللرأي العام الدولي ولكل مهتم ومعني، حقيقة المفاوضات التي باشرتها مع الجانب الأميركي، وذلك بالاتفاق الكامل مع رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، وبالتنسيق الدائم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، والتي تهدف إلى احترام تنفيذ إعلان وقف النار، الذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية السابقة بالإجماع. وكان الجانب الأميركي قد عرض علينا مسودة أفكار، أجرينا عليها تعديلات جوهرية، ستطرح على مجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل وفق الأصول، ولتحديد المراحل الزمنية لتنفيذها”. وعدّد الرئيس عون أهم النقاط التي طلبها لبنان، وطالبت جهات سياسية بالاطلاع عليها، رفضاً لقرار يعيد إحياء الترويكا الرئاسية من زمن مضى. وركز على أن كل مطلب ونقاش كان يتم بالاتفاق مع رئيس الحكومة وبالتشاور مع رئيس مجلس النواب، ممثلاً الثنائي الشيعي. وبالتالي فإن ادعاء “حزب الله” عدم اطلاعه، واستتباعا عدم موافقته، يأتيان من أحد أمرين: إما تنكّر لما يوافق عليه سراً، وإما قرار من خارج الحدود، أو طلاق مع الرئيس نبيه بري. كشف الرئيس عن مطالب واضحة ومحقة لحماية لبنان، ومن دونها لا حماية، واللاحماية ستكون مسؤولية إضافية على “حزب الله” الذي ورّط البلد في “حرب إسناد” احتاجت واحتاج معها البلد كله إلى إسناد. طالبت الورقة اللبنانية بالآتي: “وقف فوري للأعمال العدائية الإسرائيلية، في الجو والبر والبحر، بما في ذلك الاغتيالات، وانسحاب اسرائيل خلف الحدود المعترف بها دوليا، وإطلاق الأسرى، وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كل أراضيها، وسحب سلاح جميع القوى المسلحة، ومن ضمنها حزب الله، وتسليمه إلى الجيش اللبناني، وتأمين مبلغ مليار دولار أميركي سنويا، لفترة عشر سنوات، من الدول الصديقة، لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وتعزيز قدراتهما، وإقامة مؤتمر دولي للجهات المانحة لإعادة إعمار لبنان في الخريف المقبل، وتحديد الحدود البرية والبحرية وترسيمها وتثبيتها مع الجمهورية العربية السورية، بمساعدة كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية والفرق المختصة في الأمم المتحدة، حل مسألة النازحين السوريين، ومكافحة التهريب والمخدرات، ودعم زراعات وصناعات بديلة”. هذه المطالب هي الضمانات الحقة والتي لا يختلف لبناني مع آخر على أحقيتها، وعلى اعتبارها عناصر مؤسسة لقيام الدولة. وقد توجه بها رئيس البلاد إلى “البيئة الحاضنة للحزب” للخروج من شرنقة خانقة يحتمي بها البعض لمواصلة سياسية الانتحار. وقال: “ندائي إلى الذين واجهوا العدوان، وإلى بيئتهم الوطنية الكريمة، أن يكون رهانكم على الدولة اللبنانية وحدها، وإلا سقطت تضحياتكم هدراً، وسقطت معها الدولة أو ما تبقى منها. وأنتم أشرف من أن تخاطروا بمشروع بناء الدولة، وأنبل من أن تقدموا الذرائع لعدوان يريد أن تستمر الحرب علينا. فنستمر نحن في مأساتنا وتشرذمنا وانتحارنا. لكن هذه المرة، نكون قد تخلينا عن الدعم الدولي والعربي بإرادتنا وخسرنا إجماعنا الوطني. وهذا ما لا تريدونه ولا نريده. وأنتم ركن أساسي في بناء الدولة. عزّكم من عزّها. وحقوقكم من حقوقها. وأمنكم من أمنها”.