سوريا بين تدخلات سلبية وإيجابية!

سوريا بين تدخلات سلبية وإيجابية!

سوريا الجريحة تتعافى. البعض يرى ضرورة أن تخلق في سوريا عقبات سياسية وطائفية، تعطل هذا البلد العربي، أما آخرون فيرون أن سوريا تتعافى، وأنها بخير، وتستطيع أن تصبح دولة مكتملة الأركان باسطة قدراتها على جميع أراضيها. الفكرة الأخيرة تتبناها دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. تقدر المصادر الدولية أن سوريا تحتاج إلى أربع مئة مليار دولار من أجل عودة الدولة إلى مرحلة النهوض، هذه المليارات يحتاجها الإسكان، والبنية التحتية، والكهرباء والماء، والمدارس، والمستشفيات والقطاع الصناعي والزراعي، وهو مبلغ ضخم، إلا أنه من الواضح أن هناك تصميماً لتعويم الاقتصاد السوري، على الرغم من كل المنغصات التي تجري، إما لأسباب داخلية أو لأسباب خارجية. من الواضح أيضاً أن النظام السوري الجديد يخطو خطوات حثيثة نحو إقامة الدولة الوطنية العادلة والحديثة، وهناك شواهد كثيرة يمكن التدليل بها على ذلك، منها رفع العقوبات الدولية، ومنها بناء علاقات متوازنة وإيجابية مع الدول العربية، والدول المجاورة، ومنها أيضاً الاستثمارات التي قدمت من دول غربية كفرنسا وغيرها من دول أوروبا الغربية، وعلى رأس الإنجازات تحرير الإنسان السوري من الاضطهاد. اللافت في هذا الأمر, هو المنتدى الاقتصادي السعودي السوري الذي عقد الأسبوع الماضي في دمشق، والذي وقعت فيه 47 اتفاقية اقتصادية، كما شاركت عشرون جهة حكومية سعودية و100 شركة من القطاع الخاص. هذا المنتدى هو الفارق الحقيقي للتدخل الحميد، وهو يؤكد الثقة والدعم من الأشقاء. لقد جاءت قوى إلى سوريا بشرّها، جاءت بشعارات ملتحفة بأفكار ماضوية، وجاءت بالسلاح الفتاك، وجاءت بمصانع لترويج وصناعة المخدرات، كما مزقت سوريا شر تمزيق، بين شمال وجنوب، وشرق وغرب، فقد جاءوا بكل شرورهم إلى هذه البلاد، وإلى هذا الشعب المعطاء. ذلك أصبح تاريخاً، أما اليوم فإن الاتفاقات التي وقعت ما بين الجانب السعودي والجانب السوري التي تبلغ 6.4 مليارات دولار، هي الدفعة الأولى، وهي موزعة على مشاريع إسكانية، وتجارية وإصلاح البنية التحتية، وقطاع الكهرباء والمستشفيات، وهو دليل على إيمان لا يتزعزع بأن سوريا المقدمة على نهضة اقتصادية واجتماعية وسياسية وعلى استقرار، تختلف تماماً عن نصف القرن السابق، حين خضعت لعصابة حاكمة، تحت شعارات زاعقة، تمت فيها تصفية مئات الآلاف من السوريين في الداخل، وهجرت ملايين من البشر، في دول الشتات، يطارهم الخوف و الجوع. هنا الفرق بين من يريد البناء ويريد الحياة، وبين من يريد الهدم ويدعو إلى الموت، هنا الفارق أيضاً بين النموذج الذي يبنى في دول الخليج، ونموذج جمهوريات الرعب، والذي استعان بشعارات جوفاء، من أجل تعزز قبضته على المال والسلطة وأرواح المواطنين، وإفساح المجال أمام فساد قاتم، تم فيه قتل الإنسان، وفناء الضرع والزرع. القادمون من سوريا اليوم يفخرون بأنهم لم يعودوا مجبرين على دفع الإتاوات والرشى للموظفين العموميين كما كان سائداً في السابق، لأن الدولة قررت أن يختفي، فقد كانت تلك الإتاوات والرشى تستفيد منها طبقة سياسية استمرأت أكل المال الحرام، سواء كان من الرشى أو من تصنيع وتوزيع المواد المخدرة لتسويقها في الدول المجاورة. لقد أعلن في هذا المنتدى وضع حجر الأساس لثلاث مصانع كبرى للإسمنت، ووقعت اتفاقيات في قطاع الاتصالات والمعلومات، وقطاع الخدمات المالية، والتعاون الصحي وغيرها من القطاعات، وهذا مؤشر ثقة. بالطبع نحن أمام أشهر منذ أن وصل النظام الجديد في سوريا إلى السلطة، ومن الطبيعي جداً أن تكون هناك منقصات سياسية، إما من فئات كانت مغلوبة على أمرها، تريد أن تتنفس بمساحة أكبر، أو من فئات كانت مستفيدة في السابق، سواء كانت داخلية أو حتى خارجية، هذه القوى لن تترك الأمور تسير بشكلها الطبيعي. ولكن المفرح أن هناك من العقلاء في النظام السوري الحالي من يعرف دوافع تلك القوى، ويتعامل معها تعاملاً صحياً، من أجل بناء الدولة المرتجاة. أي مواطن سوري يعرف بأن القوى التي تدخلت في سوريا في العقود القليلة الأخيرة كانت قوى الشر. لم يكن يهمها الإنسان السوري أو الاقتصاد أو حتى الدولة السورية، لقد كان تدخلاً خبيثاً. اليوم بدأ التدخل الحميد، هناك خير عميم يأتي من أشقاء تهمهم سوريا، ويهمهم أساساً رفاه المواطن السوري، والذي يستطيع أن يحمل على عاتقه بناء الدولة الحديثة، فسوريا ولادة. ومن الأخبار الإيجابية إعلان النظام السوري تنظيم انتخابات لمجلس الشعب، وهي خطوة مهمة وشجاعة وتشارك الشعب في اتخاذ القرار. المنتدى السعودي السوري الاقتصادي، هو إشارة صحية للثقة في أن الدولة السورية في طريق التعافي، وهو ما يرجوه أي مواطن عربي، لأن سوريا هي حجر أساس في المنظومة العربية، بصحتها تعزز صحة العرب.