استعادة الهوية الثقافية

هل ستفاجئك هذه الخاطرة الماطرة؟ عسى أن تكون عاطرة. جال بالبال خاطر بين الفكر والخيال. وامضٌ لكنه غامض. يجسّ الإرادة بالألم في الأمل، ويدسّ الإحباط في العمل، حتى يعرف المرء أنه «على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ».صحت به، أيها القلم، هل أفلت منك القِياد، أم جمحت الجياد؟ قال: كلّا، آخر عهد لي بالوعي قبل الإقلاع، كان السؤال كرفّة جناح الفراشة، التي تنتهي بتسونامي: إذا كان الإنسان ابن الكون، فلماذا يختلف سلوكه عن أعظم ثوابت الفيزياء؟ قبل رفع الأشرعة، كانت الشجون تسبح في فلك يبدو أنّه أهون ما يمكن أن يشغل العالم العربي، بالرغم من أنه مِحْور كل تحوير في الخريطة، ومُحوّر كل حوار بنّاء بين مكوّنات الأمّة: ما هي أسباب التشتت والتفتّت، والتفكّك والتلكّك، التي جعلت المكوّنات لا تشكّل نموّاً طبيعيّاً لماضيها؟ لا توحش النفس بهمّ السؤال: هل ثمّة عناصر تشابه أو تدرّج منطقي بين أهل القرن الثالث الهجري، وحاضر العالم العربي؟الفيزياء لا تخلو من طرافة معبّرة ذات مغزى. خذ مثلاً: تكون في فضاءٍ ما أشتات من الأغبرة والغازات، كأنها تائهة هائمة بلا غاية، فجأة تنبثق بينها قوة جاذبية، سرعان ما تغدو مركزاً يجذب إليه كل متناثر، ضائع ذي حظ عاثر. ازدياد الكتلة يزيد الضغط، فترتفع الحرارة أكثر فأكثر، وعندما يبلغ الحجم أكثر من مليون من كرتنا الأرضية، تكون الحرارة قد جاوزت ملايين الدرجات المئوية، فيحدث الانفجار النووي، ويولد النجم، شأن شمسنا.لوصل ما انفصل من الموضوع، تظل الشمس، كنجمنا، مشرقةً تسعة مليارات سنة. بالمناسبة، إذا كانت للعالم العربي رغبة في استعادة غابر أمجاده، فلا خوف عليه ولا هو يحزن، فما بقي من عمر كوكبنا 4.5 مليار سنة، منها في الأقل أكثر من مليار عام صالحة للحياة. السؤال: لماذا لم تتفكّك مكوّنات المنظومة الشمسية، وتداعى صمغ الأمّة، وصار عسيراً أن تعود إليه سيرته الأولى؟ عمداً وقصداً، أراد القلم إيجاز أصل الموضوع في بضع جمل في الختام، حتى يفسح المجال لذهن القارئ اللبيب، للتفكير بعمق خارج العمود: ما هي المسؤولية الجماعية عن التفكك؟ ما هي الأخطاء الفكرية الثقافية، التي أدّت إلى تداعي صلابة الصمغ الرابط بين المكوّنات الإثنيّة والدينية والمذهبية، في العالم العربي؟ واجب الحكمة والرشاد، الاعتراف بهذا الخلل البنيوي، وتدارك آثاره السلبيّة بالعلاج الناجع الحضاري.لزوم ما يلزم: النتيجة اليقينيّة: الألعاب الجيوسياسية التقسيمية التفتيتية، التي تحدث أمام عيوننا، كلها من تلك البؤرة. مرتعها وخيم.