أزمة في البرازيل وصراع عالمي: كيف نشأت قهوتك المفضلة؟

إيلاف من لندن: وسط أزمات القرن العشرين وصخب الحربين العالميتين، وُلد مشروب بسيط أصبح اليوم جزءًا لا يتجزأ من صباحات الملايين حول العالم. إنها القهوة سريعة التحضير، التي لم تكن في بدايتها سوى حل لمشكلة اقتصادية بحتة.
في ثلاثينيات القرن الماضي، كانت البرازيل، المنتج الأكبر لحبوب البن، تواجه تحديًا حادًا: فائض هائل من الإنتاج لا يجد طريقه إلى الأسواق. حينها، لجأت الحكومة البرازيلية إلى شركة “نستله” السويسرية في محاولة لإنقاذ اقتصادها الزراعي من الانهيار. وجاء الحل في عام 1938، بولادة أول علامة تجارية مسجلة للقهوة السريعة تحت اسم “نسكافيه”.
الخبير ماكس مورغنثالر لعب دورًا محوريًا في هذه الثورة الصامتة، إذ توصل إلى طريقة لدمج مستخلص القهوة مع الكربوهيدرات القابلة للذوبان، ما منح القهوة السريعة طعمًا أكثر نعومة واستساغة. وهكذا، لم تعالج نستله أزمة الفائض فقط، بل فتحت الباب أمام صناعة كاملة ستغير عادات الاستهلاك في العالم.
في البداية، لم تلقَ القهوة السريعة الكثير من الحماس. فرغم أن النيوزيلندي ديفيد سترانغ حصل على أول براءة اختراع لها عام 1890، فإن ابتكاره ظل في الظل. ثم جاء الياباني ساتوري كاتو عام 1901 ليطور تقنية جديدة في شيكاغو، تلاه البريطاني البلجيكي جورج واشنطن، الذي قدّم أول نسخة ناجحة تجاريًا في عام 1909 تحت اسم “ريد إي كوفي”. وقد ذاع صيتها أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث أصبحت جزءًا من حصص الإعاشة للجنود الأمريكيين، تُعرف بينهم باسم “كوب جورج”.
لكن الحرب العالمية الثانية كانت نقطة التحول الكبرى. حينها، اشترى الجيش الأمريكي كامل إنتاج “نسكافيه” — أكثر من مليون علبة سنويًا — لتلبية احتياجات جنوده. ومن هناك، غزت القهوة السريعة العالم، بفضل سهولة تحضيرها وسعرها المنخفض.
مذاك، أصبح تحضير هذا المشروب لا يتطلب أكثر من ملعقة صغيرة من المسحوق، قليل من الماء الساخن، وربما رشة قرفة أو هيل. في غضون دقائق، تكون قد حصلت على كوب يحمل في نكهته روح التاريخ، وسحر الاختراع، ودفء البدايات التي جاءت في زمن الأزمات.
ورغم اختلاف الآراء حول الطعم أو الجودة، تبقى القهوة السريعة رمزًا لاستجابة الإنسان الذكية في وجه الحاجة، وواحدة من تلك المفارقات التي تُظهر كيف يمكن للضرورات أن تلد عادات جميلة… بل ومحبوبة.