مُتقاعد من ميسان وآخر من كردستان

بعد جلسة مجلس الوزراء الاعتيادية الرابعة والعشرين في 17 حزيران (يونيو) 2025، والتي ترأسها رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، صدر بيان جاء فيه: (إنصافاً من الحكومة لشريحة المتقاعدين، صوّت المجلس بالموافقة على بيع (12 دارًا) في محافظة ميسان، تابعة ملكيتها إلى وزارة التجارة/ الشركة العامة لتصنيع الحبوب إلى شاغليها من الموظفين المتقاعدين).
من يطلع على هذه الفقرة، يذهب نحو تفسيرها وفق فرضيتين، الأولى: أنه قرار اعتيادي ينصف عدداً من المتقاعدين الذين أمضوا سنواتٍ طوال من أعمارهم في خدمة البلد، وجزاءً لهم نالوا حقهم الطبيعي، هذا إذا لم يكونوا من المستفيدين قبل ذلك من خلال استلام دور أو أراضٍ سكنية من الحكومة، على اعتبار أن الالتزام الوطني والدستوري لأي حكومة تجاه مواطنيها، دون تمييز بسبب الدين أو القومية أو المذهب، ينعكس على خطواتها في جميع المجالات ويمنحها الهوية التي تستحقها.
أما الفرضية الثانية، فتنطلق من إننا نعلم أن السيد السوداني تولى مناصب عدة في ميسان، لذلك نعتبرها هي المرجحة وتنطبق عليها المثل الشائع في العديد من اللهجات العربية (من أجل عين ألف عين تُكرم)، أي من أجل تكريم شخص عزيز من المتقاعدين الـ(12) ومعاملته معاملة حسنة، يُوسع الإحسان إلى إحسان أوسع نطاقاً.
والذي يرجح كفة هذه الفرضية هو: لماذا لا يتم إنصاف شريحة المتقاعدين في كوردستان، الذين أمسوا رهائن المزاج السياسي المترنح في بغداد، مزاج يؤرقهم ويثقل كاهلهم ويغفل حقوقهم، ويحرمهم من استلام رواتبهم منذ أكثر من ثمانين يوماً.
نعم لقد مضى أكثر من ثمانين يوماً والمتقاعد الكوردستاني، الذي أفنى زهرة شبابه في خدمة الوطن، يعاني من التمييز والحرمان والغبن غير المبرر، ويشعر بأنه غير مشمول بالمواطنة الحقيقية. ويتعرض لسياسة تجويع ممنهجة، سياسة ربما تسهم سلباً في تحطيم معنويات البعض، لكنها لم تكن يوماً سلاحاً معترفاً به في الحروب ولا تؤيدها الشرائع والقوانين الدولية، بل بالعكس، تم إدانتها وجعلتها جريمة يعاقب عليها.
وللتذكير نقول للسيد السوداني: في الثامن من أيار (مايو) 2020، أي بعد تأخر إطلاق رواتب المتقاعدين العراقيين لثمانية أيام فقط، وعندما كنت عضواً في لجنة متابعة تنفيذ برنامج حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة، اتهمتها بالتنصل عن واجباتها بإطلاق التمويل لرواتب المتقاعدين، وشددت على ضرورة أن تذهب قرارات الدولة باتجاه حماية شريحة المتقاعدين والموظفين بعيداً عن التسويف والاجتهادات. (سبحان مغير الأحوال).
وأخيراً نقول: الحكومات التي تحترم نفسها وشعبها تولي اهتماماً استثنائياً بالمتقاعدين، وتعد قضاياهم من الأولويات التي لا تقبل التراخي أو الإبطاء أو المساومة، وتتخذ قرارات سريعة حيالها.