الجزائر: من استراتيجيات توظيف الشباب إلى دعم المشاريع الصغيرة

في إطار تفعيل عمليات محاربة البطالة تواصل المؤسسات الجزائرية الوطنية والجهوية تقديم القروض لشريحة الشباب لإنشاء الشركات المصغرة، وفي هذا الخصوص قامت مؤخراً الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر بتمويل ثلاثة آلاف مشروع مصغر عبر الوطن، وذلك في فترة وجيزة خلال هذا العام الجاري 2025. في هذا السياق يتساءل المراقبون الجزائريون المتخصصون في التنمية الاقتصادية ومكافحة ظاهرة البطالة بواسطة تشغيل الشباب: لماذا تلجأ السلطات الجزائرية، ومعها المؤسسات الوطنية، إلى العمل بأسلوب تقديم القروض للشباب قبل تكوينهم تكويناً متطوراً في مجال الإشراف على تسيير المشاريع الاقتصادية التي تحتاج إليها التنمية الوطنية بمختلف أنواعها؟ وهل ستنجو الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغّر من الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الوكالة الوطنية لتشغيل الشباب في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، ومنها خطأ منح القروض للشباب لإنشاء مؤسسات أغلبها كان يعتمد على استيراد الماكينات وقطع الغيار والمواد الأولية من الخارج بدلاً من ابتكارها على المستوى المحلي؟ قبل الإجابة عن هذين السؤالين ينبغي الإشارة بسرعة إلى جهود الدولة الجزائرية المبذولة في عهد الرئيس الحالي عبد المجيد تبون لاحتواء ظاهرة البطالة رويداً رويداً، وفي المقدمة تخصيص منحة البطالة للشباب العاطل عن العمل لغاية بلوغ سنَ 40 سنة. وفي الواقع فإن هذه المنحة الرمزية التي تبلغ قيمتها 15000 دينار جزائري شهرياً والمخصصة لكل شابة أو شاب عاطل عن العمل (أي نحو 60 يورو في السوق الموازية)، لا تكفي سواء لتغطية نفقات المعيشة اليومية أو لدفع تكاليف الإيجار الشهري في الريف أو في المدن. ومن عيوب الشروط المفروضة على المستفيدين من هذه المنحة نذكر شرط عدم السماح لهم مواصلة الدراسة أو التكوين، الأمر الذي كرّس البطالة المزدوجة على بين أوساط هذه الشريحة الشبابية. ولقد أظهرت بعض الدراسات النفسية الميدانية أن نسبة معتبرة من الشباب الذي وجد نفسه غارقاً في هذا النمط من البطالة المزدوجة يعاني من الكآبة وفقدان الأمل والعزلة الخانقة. ويبدو واضحاً أن إنشاء الدولة الجزائرية خلال السنوات الأخيرة أسلوب تمويل المؤسسات والمشاريع المصغرة يهدف أيضاً إلى القضاء على هذه المشكلة، فضلاً عن خلق الظروف الملائمة لجعل الشباب مساهماً في صنع الثروة الوطنية. ويرى المتخصصون في قضايا الشباب أن تمويل المشاريع المصغرة يمثل فكرة إيجابية ظاهرياً، ولكن هناك من يعتقد أنه من الأفضل ربط هذا التمويل بعدة شروط من شأنها أن تعود على الشباب بالفائدة، وفي المقدمة اشتراط التركيز على إنشاء المشاريع التي يحتاج إليها المجتمع الجزائري، وخاصة المشاريع التي تلعب دوراً حيوياً في تقليص الاستيراد من الخارج بالعملة الصعبة. إلى جانب ما تقدم نجد فئة من المراقبين الجزائريين المتخصصين في قضايا تشغيل الشباب تدعو إلى ربط مثل هذه المشاريع المصغرة بالتكوين المهني المتواصل، وخاصة في مجالات استيعاب التقنيات الحديثة وتوظيف التكنولوجيا في عمليات الإنتاج المختلفة. وفي هذا السياق تلح هذه الفئة من المراقبين أيضاً على ضرورة تخصيص دورات للتدريب والتقييم، على الأقل مرة في السنة، قصد تذليل المشكلات والصعوبات التي تنشأ أثناء ممارسة الشباب لنشاطاتهم ميدانياً، وفي الوقت نفسه تحذر هذه الفئة من مغبة تكرار أخطاء سلبية أخرى رافقت عمليات تشغيل الشباب في عهد بوتفليقة وتتلخص في تحويل القروض المقدمة للمشاريع إلى ديون ثقيلة تحاصر وتشل المستفيدين منها.