ازل خط النهاية

ازل خط النهاية

مع التخرج في الجامعة، أو بدء الوظيفة الأولى، يشعر كثير من الناس بأنهم وصلوا إلى خط النهاية في مسيرتهم التعليمية فبعد سنوات من الدراسة والاختبارات، يبدو أن وقت التعلم قد انتهى، وصار مكانه السعي وراء الاستقرار والروتين. لكن الواقع أن التعلم لا يتوقف إلا حين نختار نحن أن نوقفه، وغالباً ما يتم ذلك دون وعي.أظهرت دراسة تم نشرها في «مجلة علم النفس والشيخوخة»، وهي مجلة علمية تصدر عن الجمعية الأمريكية لعلم النفس متخصصة في دراسة التغيرات النفسية والمعرفية المرتبطة بالتقدم في العمر، أن قرار التوقف عن التعلم قد يؤدي إلى تراجع في الأداء الذهني والمرونة المعرفية، وقد بينت الدراسة التي شملت مشاركين من فئات عمرية مختلفة أن الأفراد الذين اختاروا التوقف عن الدراسة أو الاكتفاء بما يعرفونه أظهروا قدرة أقل على التذكر وحل المشكلات مقارنة بمن واصلوا التعلم، حتى بشكل بسيط. هذا يؤكد أن التوقف عن التعلم ليس لحظة واحدة، بل مسار تدريجي يبدأ بالاعتماد على المعرفة القديمة، ثم يتحول مع الوقت إلى جمود ذهني يصعب كسره.الكثير يتعاملون مع التعلم وكأنه مهمة مؤقتة، مع أنه في الحقيقة أسلوب حياة. المشكلة أن التوقف عن التعلم لا يبدو واضحاً في البداية، بل يتسلل تدريجياً. تبدأ بالاعتماد على ما تعرفه مسبقاً، وتكرر نفس المهام بنفس الطريقة، وتغلق باب الفضول نحو الجديد. بمرور الوقت، يبدأ العقل بالتعود على ذلك، وتصبح أنت أقل مرونة فكرياً، وتصير الخبرة حاجزاً بدل أن تكون جسراً نحو تطويرك.البيئة الرقمية قد تسهم أيضاً في إضعاف عادة التعلم العميق. فالمحتوى السريع والمختصر يمنحنا شعوراً زائفاً بالإحاطة والمعرفة، في حين أننا نكتفي بسطح الموضوع، وأخبار مشتتة، وخليط من الأمور التي قد تكون تافهة مع أمور معرفية سطحية جداً، ولا نغوص في أعماقها حتى. ويجعلنا نخلط بين «سماع شيء» و«فهمه فعلياً وعلمياً».التعلم ليس رفاهية، بل ضرورة للتجدد والمواكبة والتطور. ليس الهدف أن نكون عباقرة، بل أن نكون في حالة نمو دائم. أن نستمع لنفهم. أن نقرأ لا لنجمع معلومات، بل لنقوم بإعادة التفكير فيما نظنه ثابتاً. وهذا لا يعني أننا بحاجة إلى شهادة جديدة، بل إلى فضول حي، وذهن منفتح نحو الحياة.أسوأ ما قد يحدث لأي شخص ليس أن يكون جاهلاً في أمر ما… بل أن يظن أنه لم يعد بحاجة لأن يتعلم.