هل تقوم بتنفيذ عاداتك اليومية أم أنها مجرد Routine؟

هل تقوم بتنفيذ عاداتك اليومية أم أنها مجرد Routine؟

عبدالرحمن الحبيب

تصحو صباحاً، تعد لنفسك قهوة مع الفطور؛ هكذا كل يوم تقريباً، فهل ما تفعله طقس بانسجام وروقان أم روتين ممل؟ قس على ذلك كثير من المهام الأساسية في حياتك، هل ما تقوم به هو أداء تلقائي آلي روتيني دون حميمية، أم أنك تقوم بها بشغف ووعي تام عميق باللحظة الراهنة في فكرك ومشاعرك ومحيطك؟

في عام 2013م، اعترف مؤلف كتاب «الطقوس اليومية: كيف يعمل الفنانون» ماسون كوري بأن عنوان كتابه الأصلي كان «الروتين اليومي»، إنما أحد المحررين اقترح تغييره إلى «الطقوس اليومية» في اللحظة الأخيرة؛ ذلك نتيجة التشابه الظاهري بين الطقوس والروتين فكلاهما يعاد مراراً وتكراراً، لكنهما يختلفان في العمق لدرجة التناقض، ففي الأوقات التي يشعر فيها الفرد بالملل من روتين العمل في عالم متوتر مزدحم يلهث للحاق بتغير متسارع، تغدو الطقوس محطة للراحة النفسية ووسيلة لتعزيز رفاهية الأفراد ورفع معنوياتهم.

يمكن لأي شخص ابتكار طقس بسيط ودمجه في يومه أو أسبوعه أو حتى شهره، ولعل أكثرها احتمالاً هو تناول قهوة أو شاي الصباح، لكن هناك فارق بين من يتجرعها على عجل متوجهاً إلى العمل (روتين) وبين من يحتسيها بجلسة هادئة مع الفطور مستمتعاً بها، مركزاً حواسه بهدوء وانسجام مع مطالعة أو محادثة حميمية أو ربما بصمت تأملي؛ وقد يكون الطقس بسيطًا كالمشي في وقت مُحدد من اليوم، والاستحمام أو الطبخ أو القراءة أو المشاهدة التأملية كشروق الشمس مع زقزقة الطيور.. إلخ. لكن، ما الفرق بين الطقوس والروتين إذا كان كلاهما يتصفان بالتكرار، فقد يُشبه الطقس روتينًا شائعًا؟ النيَّة هي أساس الفارق بينهما حسبما استنتجه من بحثوا في ذلك، إضافة للعديد من العوامل فالطقوس تجربة عميقة للحياة باستخدام أكبر عدد ممكن من حواسك، مما يُضفي على حياتك طاقة ومتعة وحميمية؛ لأن الطقوس مدفوعة داخليًا، بينما الروتين غالبًا ما يكون مدفوعًا خارجيًا يُعطي الأولوية لإدارة العمل وصرامة الوقت ومقاييس الإنتاجية؛ فقد يعتمد الشخص على الروتين من أجل الإنجاز بدلًا من الراحة النفسية والمتعة الشخصية أو الرضا الروحي.

الكاتب كوري يصف الطقوس بأنها نشاط يُدخل الشخص في حالة ذهنية مُركّزة، وهي حالة حدّية تُساعد على التفكير والإبداع أو حتى مجرد الوجود، حسبما نقلته المحررة تيري نجوين، يقول كوري: «تُنشئ الطقوس وتُشير إلى انتقال نحو حالة ذهنية أو عاطفية مختلفة»، قد يختلف هذا من شخص لآخر، ولكن من المفيد اعتبار الطقوس نشاطًا مُهدئًا وتأمليًا يُتيح للمشارك أن يكون حاضرًا جسديًا وذهنيًا.

ورغم الفارق بين الروتين والطقس إلا أنه قد تكون هناك حالة وسطى بينهما، فالروتين قد يتحول إلى طقس «عندما نمارسه مع إدراك أن كل ما نقوم به هو لتعزيز الشعور بالرفاهية لأنفسنا وللآخرين» كما وجد الباحث ديل رايت في بحثه عن الطقوس، فهذه العملية تُسهّل «التحول المنضبط للممارس» بطريقة لا يستطيعها الروتين غير الواعي؛ وبذلك يُمكن اعتبار الطقوس نتيجة روحية للروتين، لكن لا ينبغي اختزال الطقوس في مجرد عادات آلية.

إذن، ليس بالضرورة وضع تعريف قاطع لما يُشكل طقسًا، حسبما تقول الباحثة كاثرين بيل، فبينما قد توجد فروق بين ما يُنظر إليه على أنه «طقس أصيل» و»نشاط شبيه بالطقوس»، شجعت بيل الناس على التركيز على تفاصيل العملية، بدلًا من حصر أنفسهم في مثالٍ مُحدد دون داعٍ؛ بمعنى آخر، يمكن للعديد من الأنشطة أن تُصبح طقوسًا، إذ يعتمد الأمر على كيفية تعامل الشخص معها.

تقول الكاتبة تيري نجوين: أصبحتُ مفتونة بابتكار طقوسي اليومية الخاصة بعد قراءة كتاب «اختفاء الطقوس» للفيلسوف الألماني بيونغ تشول هان الذي يرى أن الطقوس تُثبّت استقرار الحياة وأنها «تقنيات زمنية تُمكّن المرء من امتلاك نفسه»، وتوفر ملاذًا نفسيًا من صخب وسائل التواصل الاجتماعي وعالمنا المتسارع.

قد تبدو طقوسك سخيفة أو غريبة للآخرين، لكن هذا لا ينبغي أن يُثبط عزيمتك طالما أنها توفر لك العمق الروحي أو المعنوي؛ فقد يكون لديك طريقة خاصة ومبتكرة في إعداد الشاي أو القهوة أو إشعال الحطب في الشتاء أو ممارسة اليوجا.. إلخ، ففي الغالب يبتكر الأفراد طقوسهم الخاصة «لا نرث الكثير من الطقوس، لذا علينا أن نبتكرها بأنفسنا» كما يقول كوري؛ ونتيجةً لذلك، تُعدّ هذه الممارسات شخصيةً للغاية، وقد لا تنطبق على الآخرين أو حتى تبدو منطقية لهم.

قد يبدو للبعض صعوبة ابتكار طقس يومي نظراً لانغماسنا في متطلبات الحياة اليومية المتسارعة، لكن بالتكرار تتدرب أجسادنا وعقولنا وأرواحنا على الانخراط في الطقوس لتعطي الوقود الداعم لتلك المتطلبات، «فكّر في الأمر كوسيلة للتخلي عن روتين الحياة اليومية. الطقوس كالقصيدة، لا يوجد خطأ أو صواب. كما تقول كيت ساوثورث التي تتجذر أعمالها في الطقوس، إذ يمكن أن تكون الطقوس عملية فنية أو تأملًا أو احتفالًا أو مجرد مشاهدة كغروب الشمس، فنحن نحتاج إلى طقوس تخفف من إنهاك الروتين ولهاث الوقت في زحام المدن.