أحمد الشرع يُعلن عن هدنة ومحاسبة المخالفين.

إيلاف من دمشق: دفعت التطورات الدامية في محافظة السويداء، التي شهدت خلال أسبوع واحد سقوط 718 قتيلاً، السلطات السورية إلى اتخاذ خطوات استثنائية، تمثلت بإعلان وقف فوري وشامل لإطلاق النار، والبدء بانتشار أمني ميداني في مناطق التوتر، بحسب بيان صادر عن المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، الذي أكد أن “قوى الأمن الداخلي بدأت انتشارها في إطار مهمة وطنية هدفها الأول حماية المدنيين ووقف الفوضى”.
الإعلان الرسمي ترافق مع بيان رئاسي حاسم، جاء فيه أن هذا القرار يأتي “حرصاً على حقن دماء السوريين، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية”، داعياً جميع الأطراف دون استثناء إلى الالتزام الكامل بوقف العمليات القتالية، تحت طائلة المساءلة القانونية لكل من يخالف القرار باعتباره انتهاكاً صريحاً للسيادة الوطنية.
صراع داخلي
المشهد الميداني المتدهور في الجنوب يعود إلى مواجهات مسلحة اندلعت بين مجموعات درزية وفصائل من عشائر بدوية، في محافظة تشكّل نقطة توازن طائفي وسياسي حسّاس في الخارطة السورية. وأكدت مصادر لقناة “تلفزيون سوريا” التوصل إلى اتفاق محلي مع قادة الفصائل ومشايخ العقل في السويداء، ينص على دخول مؤسسات الدولة، وتسليم السلاح الثقيل، وحل الفصائل، ودمج عناصرها في أجهزة الأمن.
كلمة الشرع
وسط هذا التصعيد، ألقى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع خطاباً مفصلياً أعلن فيه أن “الدولة تمكنت من تهدئة الأوضاع رغم صعوبتها، إلا أن التدخل الإسرائيلي أدى إلى مرحلة خطيرة تهدد استقرار سوريا”. وأوضح أن الانسحاب المؤقت للقوات من بعض المناطق سمح باندلاع هجمات انتقامية من فصائل في السويداء ضد البدو، مما دفع بعشائر أخرى إلى التدخل لفك الحصار.
ووجّه الشرع انتقادات لاذعة لما وصفه بـ”الاستقواء بالخارج”، معتبراً أن بعض الجهات الداخلية جعلت من السويداء أداة في صراعات دولية. وأكد أن “الدولة السورية وحدها القادرة على الحفاظ على السيادة”، مشدداً على أن “السويداء جزء أصيل من الدولة، والدروز ركن أساسي من النسيج الوطني”.
في خطابه، لم يكتف الشرع بالتصعيد، بل توجّه إلى شركاء دوليين، مثمناً دور الولايات المتحدة في جهود التهدئة، وكذلك دعم روسيا، الصين، والاتحاد الأوروبي في رفضهم الاعتداءات الإسرائيلية، ودعا إلى “فتح المجال أمام الحكماء”، معلناً التبرؤ من كافة الجرائم والانتهاكات التي جرت، سواء من داخل السويداء أو خارجها.
موقف العشائر
استجابة مباشرة جاءت من عشائر تجمع الجنوب التي أعلنت، عبر بيان رسمي نقلته وكالة الأنباء السورية، وقفاً فورياً للأعمال القتالية. البيان دعا إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين من أبناء العشائر، وتأمين العودة الآمنة للنازحين، وفتح قنوات الحوار. وأكد أن العشائر “لم تكن يوماً دعاة قتال، بل اضطرت إلى الدفاع المشروع عن النفس في وجه الاعتداءات”.
خلل في التقدير
لكن خلف كل هذه التطورات، يبرز عنصر بالغ الحساسية كشفته وكالة “رويترز” عبر تقرير موسّع نقل عن ثمانية مصادر مطلعة، أن دمشق أخطأت في قراءة الرسائل الأميركية – الإسرائيلية بشأن السماح بإعادة انتشار القوات جنوباً. الاعتقاد الخاطئ بأن هناك تفاهماً ضمنياً، دفع الحكومة إلى إرسال قوات ودبابات إلى السويداء، ما أدى إلى قصف إسرائيلي مباشر على دمشق ومراكز عسكرية.
ووفقاً للمصادر، فإن تصريحات المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس براك، الذي شدد على ضرورة حكم سوريا “كدولة واحدة”، تسببت في فهم مفرط بالثقة من جانب دمشق. بينما نفت الخارجية السورية أن يكون للخطاب الدولي تأثير على القرار، مؤكدة أن الدوافع وطنية خالصة.