مقال عبري يكشف خفايا “الاستعراض الإسرائيلي في سوريا”: الشرع ليس هو يحيى السنوار

مقال عبري يكشف خفايا “الاستعراض الإسرائيلي في سوريا”: الشرع ليس هو يحيى السنوار

إيلاف من تل أبيب: بينما كانت الأنظار تترقب تهدئة في الجنوب السوري بعد سلسلة تطورات غير مسبوقة، جاء مقال للمعلق السياسي في صحيفة “يسرائيل هيوم”، أرييل كاهانا، ليشعل الجدل مجددًا حول نوايا إسرائيل في سوريا، والعلاقة المعقدة مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.

في تحليل مثير، وصف كاهانا الاستراتيجية الإسرائيلية بأنها “استعراض للحماقة”، منتقدًا حملة القصف الأخيرة التي استهدفت مواقع حيوية في دمشق، بما فيها هيئة الأركان وقصر الرئاسة، تحت مبرر الدفاع عن الدروز، في وقت أبدى فيه الشرع مؤشرات غير مسبوقة على رغبته في السلام.

منذ أن أطاح أحمد الشرع ببشار الأسد أواخر عام 2024، اتخذ مسارًا مختلفًا عمّا عهدته إسرائيل من دمشق. بحسب كاهانا، أظهر الشرع بوادر انفتاح وواقعية سياسية دفعت كثيرين في الغرب وحتى في واشنطن إلى اعتباره فرصة لا تهديدًا. فالرجل، الذي عرف سابقًا بـ”أبو محمد الجولاني”، خاض صراعات مع تنظيم داعش، وخرج من عباءة القاعدة، وأكد في مقابلات وتصريحات متكررة أنه لا ينتمي إلى “الجهاد العالمي”، بل يعتبر نفسه “وطنياً سورياً”.

منذ توليه الحكم، قام الشرع بخطوات لافتة، بينها تجنيس آلاف الفلسطينيين المقيمين في سوريا، في تقويض صريح لأساس “حق العودة”، وشارك في محادثات سرية مع وسطاء غربيين بخصوص العلاقات مع إسرائيل، بحسب مصادر أجنبية. كما أغلق منافذ تهريب السلاح الإيراني إلى لبنان، ولم يصدر عنه أي تهديد مباشر أو غير مباشر تجاه تل أبيب. بل وتجاهل صراحة ملف استعادة الجولان، وأبدى استعداده للسلام.

لكن إسرائيل – حسب رأي كاهانا – اختارت تجاهل هذه المؤشرات، وواصلت التعامل معه كأنه يحيى السنوار، لا رئيس يسعى لإعادة بناء بلاده. رغم أن حتى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، المعروف بدعمه المطلق لإسرائيل، قرر رفع العقوبات عن دمشق بعد لقاء جمعه بالشرع، وهو ما اعتبره كاهانا رسالة بأن العالم لا ينتظر الموقف الإسرائيلي.

في هذا السياق، يرى الكاتب أن تل أبيب ارتكبت خطأً إستراتيجياً عندما أطلقت حملة عسكرية ضد مواقع حساسة في سوريا بعد أحداث السويداء، التي شهدت صدامات بين الدروز والبدو. ورغم أن الشرع، وفق التقارير، أرسل قواته إلى الجنوب لضبط الأمن ومنع الاقتتال الداخلي، اختارت إسرائيل ضربه، ثم طالبته، بعبثية، بحماية الدروز.

المفارقة أن قادة الطائفة الدرزية في إسرائيل لم يطلبوا تدخلًا عسكريًا، بل كانت المبادرة من الحكومة الإسرائيلية. خطوة وصفها كاهانا بالكارثية، معتبرًا أنها زادت من تعقيد الوضع وأضعفت موقف المعتدلين داخل سوريا، الذين كانوا يراهنون على التقارب مع إسرائيل. بل إن هذه السياسة دفعت الشرع، للمرة الأولى، إلى التلويح بالرد العسكري، بعدما شعر أن ما تبقى من سيادته مهدد من الخارج.
ويشير المقال إلى أن جيش الشرع، وإن كان لا يخلو من الميليشيات والخروقات، إلا أنه لم يثبت قيامه بأي عمليات عدائية تجاه إسرائيل منذ توليه السلطة. بل على العكس، أعاد فتح الكنيس اليهودي في دمشق، وأطلق وعودًا بضمان الحريات الدينية، مع الإبقاء على الشريعة كمصدر للتشريع.

في خضم هذه التعقيدات، يدعو كاهانا صناع القرار في تل أبيب إلى مراجعة سياستهم. فالاستمرار في معاملة الشرع كعدو، رغم مؤشرات الانفتاح، ليس فقط غير مبرر، بل يقوّض فرصة نادرة لصناعة واقع استراتيجي جديد على الجبهة الشمالية. ويخلص إلى أن التعامل مع سوريا الجديدة يجب أن يكون بعقلانية، لا بعاطفة، وعلى أساس المصلحة الإسرائيلية، لا الصور النمطية.

المقال، الذي يعكس رأي الصحيفة وكاتبه، يعيد فتح النقاش داخل إسرائيل حول ضرورة إعادة النظر في سياساتها تجاه الجار الشمالي، وخصوصًا في ظل تغير الموازين الإقليمية والدولية.