مستقبل إيران: بين الحكم الديني والإصلاح الديمقراطي

مستقبل إيران: بين الحكم الديني والإصلاح الديمقراطي

منذ أكثر من أربعة عقود، يخوض الشعب الإيراني مقاومة شرسة ضد نظام ولاية الفقيه الذي فرض نفسه بالقمع والإعدامات وتصدير الأزمات إلى الخارج. بدأت هذه المواجهة الحقيقية في 20 حزيران (يونيو) 1981، حين اختار النظام مواجهة مطالب الشعب بالحرية والديمقراطية بالعنف الدموي، ما أدى إلى دخول إيران في دوامة من القمع المنهجي الذي لم يتوقف حتى اليوم. المقاومة الإيرانية، بقيادة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق، شكلت منذ البداية البديل الديمقراطي الوحيد الذي يملك رؤية واضحة وبرنامجًا شاملاً لإنقاذ إيران من الاستبداد الديني.

لقد سجلت المقاومة الإيرانية إنجازًا تاريخيًا عندما كشفت في آب (أغسطس) 2002 عن منشآت النظام السرية الخاصة بالمشروع النووي، وهو ما أيقظ العالم على خطر كان يهدد الأمن الإقليمي والدولي. هذا الكشف لم يكن بدافع سياسي خارجي، بل انطلاقًا من مصالح الشعب الإيراني، وإيمان المقاومة بأن المشروع النووي للنظام لا يخدم سوى أهدافه السلطوية ويشكل تهديدًا للسلام في المنطقة. لولا هذا الكشف، لكان النظام قد أنتج القنابل النووية سرًا وفرض واقعًا جديدًا على العالم.

منذ سنوات طويلة، أكدت السيدة مريم رجوي، زعيمة المقاومة الإيرانية، أن حل قضية إيران لا يكمن في المساومة مع النظام أو شن حرب خارجية عليه، بل في “الخيار الثالث”: أي التغيير على يد الشعب والمقاومة المنظمة. فقد أثبتت التجارب أن سياسة الاسترضاء تشجع النظام على مواصلة سياساته القمعية، وأن الحرب الخارجية تفتح الباب أمام مزيد من الدمار وعدم الاستقرار، كما حدث في العراق وأفغانستان. الخيار الثالث يرفض كليًا تكرار هذه السيناريوهات، ويركز على التغيير الديمقراطي الداخلي، وهو ما أكده المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية منذ تأسيسه قبل 44 عامًا، حين رفع شعار “لا للشاه ولا للملا”، مطالبًا بجمهورية ديمقراطية تقوم على فصل الدين عن الدولة، والمساواة بين المرأة والرجل، وحقوق القوميات، وإلغاء حكم الإعدام، وسلطة قضائية مستقلة، وإيران غير نووية تدافع عن السلام في الشرق الأوسط.

النظام الإيراني أثبت مرارًا أنه غير قابل للإصلاح، وأنه يبقى في الحكم من خلال الإعدام والتعذيب والقمع الشامل، إضافة إلى إشعال الحروب في المنطقة وصناعة السلاح النووي. منذ وصول بزشكيان إلى السلطة في آب (أغسطس) 2024، تم إعدام أكثر من 1350 سجينًا، بينهم عشرات السجناء السياسيين، معظمهم متهمون بالانتماء إلى منظمة مجاهدي خلق. النظام لم يكتفِ بذلك، بل أجرى محاكمات غيابية ضد 104 من قادة المنظمة، في محاولة لترهيب الشباب وقمع أي حراك معارض.

في السنوات الأخيرة، شهدت إيران انتفاضات شعبية واسعة، عبّرت عن رغبة عامة في التغيير الجذري. ففي انتفاضة 2017-2018، ردد المتظاهرون شعار: “إصلاحي، أصولي، لقد انتهت الحكاية”، في إشارة إلى انتهاء وهم إمكانية الإصلاح من داخل النظام. أما انتفاضة تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، فقد شهدت نزول الطبقات الفقيرة إلى الشوارع، مما وضع حدًا لأسطورة دعم الشرائح ذات الدخل المنخفض للنظام. وبعد القمع الدموي الذي أسفر عن مقتل 1500 شخص، تصدّى الشباب الثائرون للنظام وأضرموا النار في أكثر من 900 مركز قمعي وحكومي. انتفاضة 2022 كانت لحظة انفجار أربعين سنة من القمع الاجتماعي، وكان للنساء فيها دور محوري وأساسي.

خلال العام الإيراني 1403 (2024-2025م)، تم تسجيل أكثر من 3,000 حركة احتجاجية، شاركت فيها مختلف فئات المجتمع، من المعلمين والطلاب إلى المزارعين وسائقي الشاحنات والمتقاعدين والممرضين. هذه الإحصاءات تعكس مدى اتّساع حالة الاستياء الاجتماعي واستعداد المجتمع للتحوّل الجذري. في هذا السياق، نفذت وحدات المقاومة، التابعة لمنظمة مجاهدي خلق، أكثر من 3,000 عملية ضد مقرات النظام في عام 2024، إضافة إلى عشرات آلاف الأعمال الرمزية والشجاعة التي أرهقت النظام نفسيًا وأمنيًا. هذه الوحدات أثبتت قدرتها على تنظيم وتوجيه الانتفاضات، وحماية الاحتجاجات الشعبية.

على الصعيد الدولي، حظيت خطة السيدة مريم رجوي ذات النقاط العشر بدعم أكثر من 4,000 نائب برلماني حول العالم، إلى جانب قادة سابقين وحائزين على جائزة نوبل. هذا الدعم يعكس شرعية المقاومة واعتراف المجتمع الدولي بحق الشعب الإيراني في تقرير مصيره.

في الختام، القضية الإيرانية ليست مجرد أزمة نووية أو صراع على السلطة، بل هي معركة بين شعب يطمح إلى الحرية ونظام ديني استبدادي. الحل الوحيد، كما تؤكد المقاومة، هو التغيير الديمقراطي على يد الشعب والمقاومة المنظمة، وليس بفرض بدائل خارجية أو استمرار سياسات الاسترضاء. إن إيران الحرة والديمقراطية، كما رسمتها المقاومة، ستكون ركيزة للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم.