الرئيس النيجيري الأسبق محمد بخاري يتوفى عن عمر يناهز 82 عامًا في لندن

إيلاف من لندن: عن عمر ناهز 82 عامًا، توفي الرئيس النيجيري السابق محمد بخاري في العاصمة البريطانية لندن، بعد صراع طويل مع المرض، وفق بيان رسمي صادر عن المكتب الصحفي الرئاسي النيجيري، الأحد 13 تموز (يوليو) 2025.
وورد في البيان أن الوفاة وقعت قرابة الساعة 4:30 مساءً بتوقيت لندن، حيث كان بخاري يتلقى العلاج. وأمر الرئيس النيجيري الحالي بولا أحمد تينوبو نائبه بالتوجه إلى المملكة المتحدة لمرافقة جثمان بخاري إلى البلاد، ونعاه بكلمات حازمة وموحية، واصفًا إياه بـ”رجل وطني، وجنديّ، ورجل دولة” اتسم بـ”الإيمان العميق بوحدة نيجيريا وتقدمها”.
انقلابان وانتخاب… وبقاء في الذاكرة
برز اسم محمد بخاري لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي، كجزء من النخبة العسكرية التي أطاحت بالحاكم يعقوب غوون عام 1975، ليعيّن لاحقًا حاكمًا عسكريًا لولاية بورنو، إحدى الولايات التي لاحقتها لعقود هجمات جماعة بوكو حرام. وفي كانون الأول (ديسمبر) 1983، تولّى بخاري الحكم إثر انقلاب عسكري، قبل أن يُطاح به بانقلاب آخر عام 1985.
لكن بخاري لم يغب عن المشهد. فعاد في مطلع الألفية كـ”ديمقراطي إصلاحي”، ترشح للانتخابات الرئاسية ثلاث مرات دون فوز، قبل أن ينجح في انتخابات عام 2015، ويُعاد انتخابه لولاية ثانية عام 2019.
إرث معقد: محاربة الفساد… والتخبّط الاقتصادي
خلال سنوات حكمه، ربط بخاري شعبيته بمعركة مفتوحة ضد الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وهو ما دفع رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون إلى وصف نيجيريا إبان فترة حكمه بأنها “فاسدة للغاية”. بخاري واجه هذه الصورة بقوة، وفرض انضباطًا غير مسبوق في المؤسسات، وأدار ملفات الأمن بصرامة، خاصة في الشمال الشرقي المضطرب.
لكن رغم هذه الصورة الحازمة، تعثّر بخاري في إدارة الاقتصاد. تأخر أشهرًا في تشكيل حكومته، ورفض خفض قيمة العملة المحلية رغم تراجع أسعار النفط، مما عمّق الأزمة الاقتصادية وفاقم فقدان الثقة لدى المستثمرين.
ويقول المحلل الاقتصادي بسمارك ريواني، الذي التقى بخاري عدة مرات خلال حملاته، إن “ضعف فهمه للأسواق الحديثة وسياسات السوق الحرة دفع البلاد إلى الركود”، مشيرًا إلى أن “جنون العظمة والشك” الذي ولّده الانقلاب ضده في الثمانينيات جعله يشك في سياسات المؤسسات الدولية، مما جعله يتردد كثيرًا قبل تبني أي حلول إصلاحية.
شخصية متشددة… ومواقف لا تتغير
لم يكن بخاري ذلك السياسي المرن. يوصف بأنه “شخص لا يتغير عندما يؤمن بشيء”، بحسب تعبير ريواني. ووسط مشهد سياسي معروف بتبدّل المواقف، اعتُبرت شخصية بخاري الثابتة سيفًا ذا حدين: قوة في مواجهة الفساد، وضعف في الاستجابة للأزمات المتحركة.
ورغم الانتقادات، ظل بخاري رمزًا للصمود في وجه الحركات المسلحة والتمردات المتعددة، من بوكو حرام إلى الحركات الانفصالية في شرق البلاد، إلى أزمة شرطة “سارس” المثيرة للجدل، التي فجّرت احتجاجات واسعة في ولايته الثانية.
حياة عسكرية… ومسيرة سياسية متقلبة
وُلد محمد بخاري عام 1942 في داورا بولاية كاتسينا شمال نيجيريا، وتلقى تدريبه العسكري في نيجيريا وبريطانيا والهند والولايات المتحدة. تزوج مرتين، وله عشرة أبناء، وبقي حتى وفاته يحظى بتقدير واسع لدى قطاعات من الشعب، رغم الانتقادات التي طالت بعض سياساته.
بخاري لم يكن مجرد رئيس. كان “ظاهرة سياسية” في بلد تتقاطع فيه الأعراق والدين والسلطة. وسيبقى إرثه موضع جدل بين من يعتبره منقذًا حاول تطهير الدولة، وبين من يراه قائدًا أهدر فرص الإصلاح وقيّد الأسواق بحسابات الماضي.