هل سيتخلى حزب الله عن ترسانته؟ آراء لبنانية تُظهر انقسامًا واضحًا

“هل يتخلى حزب الله عن السلاح؟” سؤال يعود إلى واجهة النقاش السياسي في لبنان، مدفوعاً بزخم دبلوماسي لافت وتحوّلات إقليمية متسارعة.
مع زيارة الموفد الأميركي توماس براك إلى بيروت وتسليمه رداً رسمياً من الدولة اللبنانية، عاد ملف السلاح ليحتل صدارة الأولويات. بين المواقف الدولية الضاغطة، والبيانات الرسمية المتأنية، والانقسام الداخلي المستمر، يجد اللبنانيون أنفسهم من جديد أمام معادلة شائكة: هل يمكن أن تتحقق السيادة من دون الاحتكام الكامل للدولة، أم أن السلاح لا يزال ضرورة في ظل التهديدات القائمة؟
تتفاوت الآراء حول الإجابة، بين من يرى في نزع السلاح شرطاً لأي إعادة إعمار أو انخراط دولي فاعل، ومن يرفض أي خطوة تعتبر تفريطاً بأمن البلاد. وفي خلفية هذا الجدل، يبرز موقف الرئاسات اللبنانية الثلاث التي سلّمت موقفاً مشتركاً للموفد الأميركي، وشدّدت في تصريحات رسمية على التمسّك بحصرية السلاح بيد الدولة، مع الانفتاح على الحوار ضمن سقف السيادة الوطنية.
وفي الشارع، وعلى منصات التواصل، وفي تصريحات المحلّلين، يتجلّى هذا الانقسام بوضوح، ما يعكس هشاشة اللحظة وعمق التحدي.
ما بين الدعوة للتسليم والتحذير من التهلكة
بالنسبة لعدد من اللبنانيين، بات تسليم السلاح ضرورة لا يمكن تجاوزها. الصحافي رامي نعيم عبّر عن هذا التوجّه بالقول: “ما المطلوب غير تسليم سلاح حزب الله وانخراط بيئته في الدولة؟ إذا كانت هناك مطالب إضافية، فلن يقبل بها أحد. تماماً كما أن جميع السياديين لن يقبلوا ببقاء سلاح الحزب. قبل أن ننزلق نحو حرب جديدة في لبنان، دعوا (رئيس الجمهورية) يتولّى حلّ هذا الملف. حتى هذه اللحظة، هناك رضا أميركي وسعودي عن أداء الرئيس (جوزاف عون)، وهذا هو المطلوب”.
شو المطلوب غير تسليم سلاح #حزب_الله وانخراط بيئتو بالدولة؟ شو المطلوب أكتر؟ إذا في طلبات أكتر ما رح يقبل فيا حدا. متل ما كلّ السياديين ما رح يقبلو يضل سلاح الحزب. قبل ما نعمل حرب بـ #لبنان اتركو الرئيس يحل الموضوع . حتى اللحظة هناك رضى أميركي سعودي على أداء الرئيس وهيدا المطلوب
— Rami Naim (@NAIMRami) July 8, 2025
رأيٌ يتقاطع مع ما قالته فاديا الزعتري التي حذّرت من كلفة التأخير في المعالجة:كل يومٍ يتأخّر فيه تسليم السلاح، نخسر دماءً، ومالاً، وشبابا، وكرامة. سلاح حزب الله … مشروع تفجير مستمرّ.
كل يوم بيتأخر تسليم السلاح، عم نخسر فيه دم، وفلوس، وشباب، وكرامة. وكل مسؤول ساكت هو شريك بهالخسارة. سلاح حزب الله مش بيمثلنا، ومش بيمثل سيادتنا. هيدا مشروع تفجير متواصل. #سلم_السلاح
— Fadia zaatari (@FadiaZaatari) July 5, 2025
من جانبه، رأى كارلوس أن السلاح بات عائقاً أمام أي حل سياسي: “حزب الله هو الجدار المسلّح الذي يفصل بين لبنان والحل. لم نعد قادرين على الاستمرار في هذا التضليل”.
حزب الله هو الجدار المسلح بين لبنان والحل. مش قادرين نكمّل بكل هالتضليل. بدنا نحكي متل ما هي: ما في أمل بوجود سلاح بيقرّر كل شي لوحده. الحل مش اتفاق، الحل تسليم فوري. #سلم_السلاح
— carlos (@_carlos6) July 5, 2025
أما ضوميط القزي دريبي فذهب إلى أن مسألة السلاح لا تحتمل المساومة: “تسليم السلاح لا يجب أن يكون مطلباً خارجياً، بل هو أولا وأساسا مطلب لبناني”.
ليس من حق حزب الله ولا أمينه العام أن يقرّر شروط تسليم سلاحه غير الشرعي.
هذا السلاح يجب أن يسلّم دون قيد أو شرط، فهو سلاح خارج عن الشرعية، استخدم في ترهيب وقتل اللبنانيين والسوريين، وفي قمع أبناء هذا البلد وشعوب المنطقة.
تسليم السلاح لا يجب أن يكون مطلبًا خارجيًا، بل هو أولًا…— ضوميط القزي دريبي | Doumit Azzi Draiby (@Doumit_Azzi) July 6, 2025
بدوره، ربط الدكتور علي خليفة المسألة بالتحولات الإقليمية: “من يقول لن نترك السلاح، كمن يرمي ناسه في التهلكة”. ورأي أن تسليم سلاح حزب الله “ضرورة وطنية لبنانية ملحّة تتقاطع مع ترتيبات دولية في المنطقة بأسرها…”.
توقيت حاسم لزيارة #وزير_الخارجية_السعودي للبنان بانتظار ما ستؤول إليه الأمور: من يقول #لن_نترك_السلاح، كمن يرمي ناسه في التهلكة واليوم تسليم سلاح #حزب_الله للدولة ضرورة وطنية لبنانية ملحّة تتقاطع مع ترتيبات دولية في المنطقة بأسرها…
— Ali Khalife علي خليفة (@AliKhalife5) July 4, 2025
وفيما يطرح هشام أبو جودة أسئلة تقنية عن مدى جدوى الإصرار على التسليم، قائلاً: “هل ما بقي هو سلاح ميليشيات تمتلكه كل الأحزاب اللبنانية؟ أم هو سلاح من نوع آخر يشعر دولة الاحتلال بالخطر؟”، تجد غيلدا الأيوبي أن حسم هذا الملف لا مفر منه، مهما اختلفت الوسائل: “بالنهاية السلاح سيسلم، لكن نفضّل الخيار الأول، عبر الدولة وبدون دمار”.
اسئلة تطرح عن الاصرار على تسليم حزب الله لسلاحه.
ماذا بقي من هذا السلاح حتى يكون هنالك اصرار على التسليم؟
هل ما بقي هو سلاح ميليشيات تمتلكه كل الاحزاب اللبنانية؟
ام هو سلاح من نوع آخر يشعر دولة الاحتلال بالخطر؟ ما هي الضمانات التي تعرض؟ هل هي خارجية ام متعلقة بالنظام اللبناني؟— Hicham Aboujaoude (@hiaboujaoude) July 4, 2025
مقاربة أخرى: لا ضمانات كافية لتسليم السلاح

في المقابل، يطرح آخرون تساؤلات حول قدرة الدولة على حماية البلاد في حال تم نزع السلاح. أبو عباس مثلاً كتب: “تسليم سلاح حزب الله للدولة اليوم هو ليس المشكلة، بل المشكلة ستكون ماذا بعد تسليم سلاح حزب الله؟”.
تسليم #سلاح حزب الله للدولة اليوم هو ليس المشكلة، بل المشكلة ستكون ماذا بعد تسليم سلاح حزب الله؟ شو الضمانات؟ من يضمن وما هي العقوبة على المعتدي بعد نزع السلاح..
— ابو عباس (@abw_bas77372) July 2, 2025
حسين سرور أعاد التذكير بالسياق الأمني: “طالما إسرائيل صاحبة سوابق في الخيانة والانقلاب والخروقات فسيصبح مستحيل تسليم رقبة عشرات الآلاف للمفترس الاسرائيلي”.
الحديث عن السلاح المقاوم منفصل باعتباره سلاح لبناني شرعي ام غير شرعي ومناقشة في الداخل حيث حزب الله وافق على1701بحسب مبرراته وطالما إسرائيل صاحبة سوابق في الخيانة والانقلاب والخروقات فسيصبح مستحيل تسليم رقبةعشرات الإلاف للمفترس الاسرائيلي وهذه مهمة الدولة بأن تنتبه لهؤولاء البش
— Hussein Srour (@sou38849) July 2, 2025
شعلان طفيلي تساءل عن مصداقية الخطاب الرسمي: “زعمت اسرائيل وزعمتم معها انها دمرت 80% من قوة حزب الله. لماذا هذه الحمى على تسليم سلاح أنتم تملكون أكثر منه؟ إلا إذا كان إعلامكم كاذب وحزب الله لا زال الأقوى”.
زعمت اسرائيل وزعمتم معها انها دمرت 80% من قوة حزب الله.
لماذا هذه الحمى على تسليم سلاح انتم تملكون اكثر منه.
الا اذا كان اعلامكم كاذب وحزب الله لا زال الأقوى.— shaalan tfaily (@tfaily82448) July 3, 2025
الإعلامي عبد الغني طليس انتقد تغييب دور الجيش اللبناني في النقاش، قائلاً: “لماذا لا يتجرّأون على ذكر دور الجيش اللبناني في هذه الحرب “المقبلة” على لبنان؟”.
لبنانيو الإبراهيمية، يتحدّثون بفخر مغلّف بالتّقِية، عن هجوم إسرائيلي من الجنوب، وسوري من الشرق .. كأنه نزهة !
لماذا لا يتجرّأون على ذكْر دور الجيش اللبناني في هذه الحرب “المقبلة” على لبنان؟
وهل تسليم السلاح سيُعفي لبنان من “الخطة” ؟
لقد أعماكم سلاح حزب الله لأنه ليس إبراهيمياً!— Abdul Ghani Tulais (@AbdulTulais) July 3, 2025
أما نورة محمد فترى أن من يطالب بالتسليم يتجاهل طبيعة الصراع: “سلاح المقاومة ليس بندقية بل عقيدة ودم وقرار شعب قرر ألا يُهزم”
الحديث عن تسليم حزب الله لسلاحه خارج عن واقع الصراع وتوازن الردع …سلاح المقاومة ليس بندقية بل عقيدة ودم وقرار شعب قرر ان لا يهزم
من يطرح هذا الخيار اما لا يدرك طبيعة المعركة أو يتعمد نزع ورقة القوة الوحيدة في وجه العدو.#حزب_الله#سلاح_المقاومة#لبنان#توازن_الردع#لن_نسلم— Noora Mohammed (@alamerynoora) July 6, 2025
الموقف نفسه أعاد تأكيده الصحفي حسن عليق: “لا تسليم للسلاح، لا ثقيله ولا خفيفه. لا الآن ولا غداً ولا بعده… هذا ما بات يعرفه جميع المعنيين”.
١- لا تسليم للسلاح، لا ثقيله ولا خفيفه. لا الآن ولا غداً ولا بعده ولا بعده… هذا ما بات يعرفه جميع المعنيين.
٢- موقف الحركة والحزب متطابق. الحزب والحركة واحد في موقفهما من وثيقة الاستسلام الأميركية…
وعلى هذا فليُبنَ.— Hasan illaik (@Hasanillaik) July 6, 2025
ومن داخل القاعدة المؤيدة للحزب، تقول أم زينب: “لأنه وبكل صراحة القرار قرار حزب الله وقرارنا نحن جمهور المقاومة… ما في تسليم سلاح”.
لأنه وبكل صراحة القرار قرار حزب الله
وقرارنا نحن جمهور المقاومة لأن نحن بالجنوب وبالضاحية تأذينا ورح نتأذى وما بنقبل نسلّم السلاح
وبدي ذكرك إنو قبل الحزب وقبل سماحته ما حدا متأذي من العدو إلا الشيعة
عم تفهم أو بعيد الحكي
ما في تسليم سلاح لو بيطلع بقرعتك ريشة— أم زينب (@Amirat_al_shame) July 7, 2025
مراد سلام من جهته أضاف بُعداً خارجياً قائلاً: “قرار نزع السلاح هو بيد إيران… وعدم رغبتها سيسبب احتمال أن تقوم دولة إقليمية بذلك وإعادة لبنان إلى وضع اللادولة”.
ان قرار نزع سلاح #حزب_الله بتفاهم سياسي هو بيد #ايران وليس بيد ما تبقى من الحزب. وعدم رغبه ايران، المُستثمر في الحزب لعقود, تسليم سلاح الحزب للدوله اللبنانيه، سيعرض #لبنان لاحتمالات قيام دوله اقليميه بذلك واعاده #لبنان إلى وضع اللادوله التي تُحكم من جيرانها كوصي عليها.
— مراد سلام (@MradSlam61402) July 6, 2025
تهكّم لبناني في زمن التسويات

على هامش هذا النقاش، برزت أصوات عبرت عن موقفها بالسخرية والرمزية. بو عبد الله نشر صورة لعلب حلوى كُتب على بعضها عبارات سياسية، منها “سلاح فش تعا خود شمام”.
حزب الله وتوزيع الثواب ومصر علي عدم تسليم سلاحه … 😅😅😅 سلاح فش واكل هريس ثواب …
وايران تتحدي سنخصب اليورانيوم ل ٩٠٪ … وتخرج من الوكاله الذريه لانتشار السلاح النووي … وترامب علي استعداد للالتقاء … والحوثيون وصواريخ الي اسرائيل والمقاومه الفلسطينيه تكثف كمائنها بغزة … pic.twitter.com/A6b9TcLCgo
— بوعبدالله (@TishallaaFaisal) July 3, 2025
أما “ود”، فكتبت تحت صورة لعلبة كاسترد كُتب عليها “ما في تسليم سلاح”: “في مشهد رمزي لافت “حاضنة حزب الله” توزع كاسترد وبطيخ كُتب عليه: “ما في تسليم سلاح””.
🇱🇧في مشهد رمزي لافت.. “حاضنة حزب الله” توزع كاستر وبطيخ كُتب عليه: “ما في تسليم سلاح”. pic.twitter.com/lNiNoX8mdS
— 🍂ود 🍂 (@iij__85) July 4, 2025
الدولة ترد والضمانات تغيب
في موازاة النقاش الشعبي، برزت مواقف تحليلية سلطت الضوء على تعقيدات المشهد اللبناني.
الباحث في الاتصال السياسي الدكتور علي أحمد، قال في حديث إلى بي بي سي عربي إن السلاح لا يمكن فصله عن السياق الأمني والسياسي القائم، مشيراً إلى أن “غياب استراتيجية دفاعية وطنية شاملة يجعل من الاحتفاظ بالسلاح خياراً وحيداً لحماية لبنان”، لكنه في الوقت نفسه شدد على أن الحل لا يكون بنزع السلاح لمجرد نزعه، بل بإدماجه ضمن رؤية وطنية دفاعية متكاملة. “حين تتوفر هذه الرؤية، يُعاد النظر بدور السلاح ومكانه في المنظومة الوطنية”، يضيف أحمد.
أما المحللة السياسية مي فرحات، فترى أن المجتمع الدولي يربط إعادة إعمار لبنان بإعادة الاعتبار لمنطق الدولة. وتقول لبي بي سي عربي: “ربط إعادة الإعمار بنزع السلاح هو رسالة واضحة: لا نهوض اقتصادي من دون إنهاء كل مظاهر السلاح غير الشرعي”. وتعتبر فرحات أن “الخيار الواقعي الوحيد أمام لبنان اليوم هو تسليم السلاح للدولة تدريجياً، تمهيداً للخروج من عزلته والانخراط مجدداً في منظومة الدعم الدولي، بانتظار التسويات الكبرى في الإقليم”.
في هذا الوقت، سلّمت الدولة اللبنانية ردّها الرسمي إلى المبعوث الأميركي توماس براك، متضمناً خمس عشرة نقطة، أبرزها المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ووقف الخروقات، والالتزام بمبدأ “خطوة مقابل خطوة”.
وقد وصف براك الرد اللبناني بـ”المتزن والمدروس”، مؤكداً أن الحل يجب أن ينبع من داخل لبنان، وأن بلاده لا تملي بل تدعم، وأضاف: “نحن ممتنون لللهجة المتزنة في الرد، وهو يفتح فرصة متاحة”.
أما الرؤساء الثلاثة، فقد عبّر كل من رئيس الجمهورية جوزاف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، عن تمسكهم بحصرية السلاح بيد الدولة كخيار دستوري ووطني لا خلاف عليه، مع التأكيد على أن ما يجري هو حوارٌ مفتوح تحت سقف السيادة.
وفيما تتصاعد الضغوط الدولية وتتقاطع التحولات الإقليمية، يقف لبنان اليوم أمام استحقاق سيادي بالغ الحساسية، محكوم بتوازنات داخلية دقيقة، وإرادات خارجية لا تقل تشابكاً.