حريق سنترال رمسيس يكشف عن أسرار صمت الحكومة.. هل أغفلت مصر تحذيرات البنك الدولي؟

إيلاف من القاهرة: في أعقاب الحريق الكارثي الذي اندلع في سنترال رمسيس وأدى إلى شلل شبه تام في خدمات الاتصالات والإنترنت في مصر، عادت تحذيرات قديمة للبنك الدولي إلى واجهة النقاش، بعدما تحققت أسوأ سيناريوهاته بشأن هشاشة البنية التحتية الرقمية في البلاد.
ففي تقرير مفصل صدر عام 2020 بعنوان “تقييم الاقتصاد الرقمي في مصر”، حذر البنك الدولي بشكل صريح من مخاطر الاعتماد على نقطة فشل واحدة في قطاع الاتصالات المصري.
وأشار التقرير، الذي أعدّه فريق من خبراء البنك، إلى أن هيمنة الشركة المصرية للاتصالات على البنية التحتية الثابتة تمثل تهديداً هيكلياً لاستمرارية الخدمات الرقمية، لا سيما في ظل غياب الأنظمة الاحتياطية (Redundancy) وخطط التعافي من الكوارث (Disaster Recovery). وجاء في التقرير أن أي خلل في مركز رئيسي، مثل سنترال رمسيس، قد يؤدي إلى انهيار واسع النطاق في الخدمات الرقمية على مستوى البلاد، وهو ما حصل بالفعل الأسبوع الماضي.
التقرير حذر كذلك من غياب أنظمة تحويل الخدمة التلقائي (Failover Systems)، والتي تُعد من المعايير الأساسية في بنى الاتصالات الحديثة، مشيراً إلى أن اعتماد مصر على مركزية مفرطة في توزيع البيانات يجعل شبكتها الرقمية عرضة للخطر عند أدنى خلل تقني أو أمني أو طارئ.
وفي تحليله للبيئة التنظيمية، أشار البنك الدولي إلى وجود تداخل مؤسسي خطير بين دور الحكومة كمنظم للسوق وبين دورها كمشغل من خلال الشركة المصرية للاتصالات، داعياً إلى فصل واضح للأدوار لضمان الشفافية والمنافسة العادلة. كما دعا إلى تصنيف الشركة كمشغل ذي تأثير سوقي كبير (SMP)، ما يستوجب إخضاعها لمزيد من الرقابة التنظيمية لمنع الاحتكار، وتمكين شركات القطاع الخاص من الوصول العادل للبنية التحتية.
توصيات البنك الدولي شملت أيضًا مراجعة شاملة لقانون الاتصالات وتحديث الإطار التشريعي بما يتوافق مع المعايير الدولية، إضافة إلى إتاحة البنية التحتية غير المستغلة للقطاع الخاص، وضمان توزيع عادل للطيف الترددي الذي لا يزال يشهد تركزًا غير مبرر في يد جهة واحدة.
وكان التقرير قد أرفق جدولاً زمنياً لتنفيذ الإصلاحات المقترحة يتراوح بين 3 و36 شهراً، مع تصنيف معظمها تحت بند “الأولوية القصوى”. إلا أنه، وبعد مرور خمس سنوات، لم تُنفذ التوصيات بشكل فعلي، وهو ما دفع خبراء إلى التأكيد أن كارثة سنترال رمسيس كانت نتيجة متوقعة لإهمال تحذيرات موثقة، وليست مجرد حادث عرضي.
وتطرح الأزمة الراهنة أسئلة حرجة حول أسباب تجاهل الحكومة للتحذيرات الدولية، ومدى مسؤولية الجهات المعنية عن تأخر تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي كان من الممكن أن تحول دون انهيار هذا الحجم. كما أعاد الحادث الجدل حول ضرورة إعادة هيكلة قطاع الاتصالات في مصر بما يعزز مناعته ضد الكوارث، ويفرض رقابة فعالة على الشركات المشغلة، ويدفع نحو نموذج أكثر استدامة وأمانًا.
ويرى محللون أن الوقت قد حان لتبني إصلاحات جذرية، خاصة بعد أن تحوّلت التحذيرات النظرية إلى واقع عملي مؤلم، هزّ الثقة في قدرة البنية الرقمية للدولة على الصمود في وجه الأزمات، وفاقم من تداعياتها الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.