رحلة نوبل تبدأ من لبنان وسوريا

رحلة نوبل تبدأ من لبنان وسوريا

لأوَّل مرة منذ عقود طويلة، يبدو أن السلام في منطقة الشرق الأوسط أصبح أقرب من أي وقت مضى. تطورات ما بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) أحدثت تغييرات عميقة في موازين القوى، وسقوط حلفاء إيران في عدد من الساحات المحورية، لا سيما في غزة وسوريا ولبنان، سهّل إلى حدٍّ كبير إمكانية الدفع نحو تسوية شاملة.

كما مثلت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لقيادة الولايات المتحدة فرصة كبيرة وجدية للدفع باتجاه السلام، وكان واضحاً منذ حملته الانتخابية أن عودته الثانية لن تكون عادية، بل عودة مهندس يريد أن يُكمل مشروع اتفاقيات إبراهيم، والتي وضعت حجر الأساس لعلاقات جديدة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية في الفترة الأولى له بواشنطن.

إسرائيل التي تعرضت لضربة قاسية في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 جعلتها تنقض على أركان محور طهران واحداً تلو الآخر، ترى في هذه المرحلة فرصة ثمينة لشرعنة سيادتها على مرتفعات الجولان، وانتزاع اعتراف دولي صريح، طالما عجزت عن الحصول عليه سابقاً. أما في دمشق وتحديداً نظام الرئيس الجديد أحمد الشرع، فيريد أن يثبت للمجتمع الدولي أن الرداء التغييري الذي قدم نفسه به هو حقيقي، وأنه لن يكتفي بالأقوال بل سيقرنها بالأفعال، وسيعمل على الاستفادة من المناخ الدولي الجديد لتثبيت تموضعه السياسي وتقديم نفسه على أنه شريك أساسي في مسلسل السلام المقبل.

أمَّا لبنان، الذي عاش طيلة عقود في ظل الازدواجية بين الدولة والدويلة، فيبدو أنه يتجه، للمرة الأولى ربما منذ استقلاله، نحو مرحلة تكرّس سلطة الشرعية فقط على كامل أراضيه، وتقليص نفوذ الجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرته بعدما أصبح ملعباً ومرتعاً في السنوات الأخيرة لحركات محلية كحزب الله وخارجية كحماس والجهاد الإسلامي، والتي صادرت القرارات السيادية فيما يخص إعلان الحرب وتوقفها، كل ذلك قد يسهم في إعادة تشكيل وصياغة الواقع اللبناني على أسس دولة المؤسسات والقانون.

لكن يبقى السؤال الكبير: ماذا بعد؟

إذا نجح ترامب في فرض تسوية شاملة، فسيكون هذا إنجازاً لم يتمكن أي رئيس أميركي أو دولي من تحقيقه خلال 80 عاماً. أن يُفرض السلام في أكثر منطقة غير مستقرة في العالم هو أمر تاريخي بكل المقاييس، وسيمهد الطريق أمام الرئيس الأميركي لحصد جائزة نوبل للسلام، وهو الأمر الذي سعى إليه منذ الفترة الأولى عبر تقديم نفسه على أنه رئيس يريد وقف الحروب وتعميم ثقافة السلام في العالم.

غير أن هذا المسار – عملية السلام -، بالرغم ممَّا ينطوي عليه من وعود، يحمل في طيّاته تحديات جمّة. عملية السلام هذه ستكون سيفاً ذا حدين. من جهة، ستُسهم في استقرار الأوضاع، وفتح آفاق النمو والازدهار، ومن جهة أخرى، قد تتحول الأحلام إلى كوابيس، إذا لم يتم ضبط الداخل في سوريا ولبنان. فإذا قامت جماعات أو أفراد بعمليات ضد إسرائيل، ستُعتبر خرقاً للسلام، و”اعتداء على دولة جارة”، وقد تنجح تل أبيب – بدعم أميركي وربما عربي – في حشد تأييد دولي لتدخلات داخل أراضي هذه الدول، بحجة “حماية أمنها”. وفي هذه الحالة، قد تنقلب الخارطة الجيوسياسية في المنطقة رأساً على عقب، وتتغير حدود النفوذ، ويتغير معها المشهد بأسره، فاللحظة المصيرية التي نقترب منها قد تؤسس لسلام تاريخي، أو تؤدي إلى انفجار جديد تنقلب معه الأمور وتتغير الخرائط تحت عنوان “الدفاع عن السلام”.