الإعلام المضلل: أهداف الجهل واستغلال التزييف..!

الإعلام المضلل: أهداف الجهل واستغلال التزييف..!

في زمن الفوضى المتنامية التي تشهدها وسائل التواصل والمواقع والمنصات الإعلامية، يبرز السؤال عن ظهور الإعلام الرمادي الذي يزيد من ضبابية التمييز بين المسؤولية الإبلاغية و مخاطر ديموقراطية الفوضى التي تشيع بقوة بسبب غياب المرجعية الإعلامية الناظمة وانتشار حالة التشظيات السياسية، إضافة الى عدم وجود قانون للإعلام الإلكتروني يضبط هذه التصرفات التي تقرب من سلوكيات المافيات المتحكمة بمفاصل مجتمعية ذات تأثير على الجمهور الذي يتلقى و يتفاعل قبل أن يراجع ما يصل إليه من أخبار ومنقولات غير مؤكدة ولا تتصف بالموثوقية، بل بسرعة الانتشار وسعته، ما يصعب السيطرة على تداعياتها على الجمهور المتلقي. فهل أمسى بعض الإعلام مقتلة للحقيقة واغتيالاً للصدقية الخبرية؟ من أخطر الانهيارات المجتمعية في ظروف المتغيرات الدائمة والأحوال المتقلبة خلقياً ومهنياً، خصوصاً في الأزمنة الرمادية التي تسود العلاقات الداخلية بين الجماعات السياسية، هي بروز ظاهرة تصنيع نوع جديد وسلبي من اللفظيات والتراكيب الخبرية تتجسد بالتفنُّنِ في تسجيل اختراع إعلام التَجهيل والتزييف واستثمار التزييف، وإعادة تدوير المعلومات المزيفة من خلال إدعائية الحرص على جوهر الحقيقة واعتماد تقنية التحقق من الخبر المزيّف والمُوَزّع وإعادة نفيه، كظاهرة حسن نيَّة من الذين أمعنوا باختلاقه وتركيبه و نشره! و تشهد صناعة الأخبار واختلاق الإشاعات في بعض المواقع الإلكترونية، نمطاً غريباً من أشكال التزييف والتأليف الخبري، حيث يمعن هواة عاملون في المواقع والمنصات الإخبارية والنقلية، وهم خارج التوصيف المهني والتخصصي، في اختلاق روايات وقصص خبرية يجهدون في استثمارها، ترويجاً واستهدافاً وابتزازاً، وكلها تصرفات خارج المألوف في السلوكات الإعلامية الرصينة. هذا الأمر يعرض العمليات التعريفية التي تشكل رسالة الإعلام وأبرز هدفياته، إلى تصدّع الثقة بكل ما يُنشرُ ويُنقلُ و يوزّع من خلالها، ونتج من ذلك أن حدثت تطورات متسارعة أدت إلى (التجهيل) الذي هو أبعد وأكثر خطورة من عمليات التزييف والتضليل والتحوير والتشويش. واتجهت بعض المنصات والمواقع إلى اختلاق خبر ومن ثم ادعاء مراجعته للتأكد من مصدريته ونفيه، وكأنها تؤدي خدمة إعلامية للجمهور المدقق والحريص على المعلومة النظيفة. هذه الحالات الانتهازية التي تنتشر في المواقع الإعلامية والمنصات التواصلية، تضع الوسائل الإعلامية الرصينة والحريصة على (الجودة الخبرية) ونوعيتها أمام مسؤوليات الحفاظ على ثلاث قيم تنتظم عبرها روحية الإعلام ووظيفته، أولها رسولية المهنة وثانيها كرامة الإعلاميين وثالثتها تقديم خدمة معرفية نظيفة للجمهور، كي لا يقع ضحية تجهيل و ابتزاز وتزييف مقصودة.