إيران والجرعة الثانية من السم

إيران والجرعة الثانية من السم

خاضت إسرائيل والولايات المتحدة، حرباً ضد إيران، وفق قواعد اشتباك دقيقة وذات أهداف محددة، وهي تدمير السلاح النووي الإيراني، وتصفية أهم القيادات العسكرية والنووية، القادرة على تغيير قواعد الاشتباك مستقبلاً.

وبالرغم من تأكيد الإيرانيين أن برامجهم النووية لم تتضرر كثيراً، وبالرغم من إعلانهم الانتصار في هذه الحرب، إلا أنَّ الحقيقة المؤلمة أنهم فقدوا معظم المقومات النووية، وتم تدمير كل المفاعلات النووية العسكرية، وإن ادعت إيران عكس ذلك.

هذه المفاعلات لم تعد موجودة الآن، وعلى إيران مجدداً البداية من الصفر، إن أرادت خوض مغامرة جديدة.

نعم، قد تكون القيادة الإيرانية أخفت بعض اليورانيوم المخصب أو غير المخصب، غير أن هذا وحده لا يكفي لصنع أي شيء ذي بال، بدون مفاعلات نووية سليمة، وذات كفاءة عالية.

يشار إلى أن محطة بوشهر النووية السلمية، وهي المحطة النووية الوحيدة العاملة في البلاد لتوليد الكهرباء، تمتعت بقدر من الحماية السياسية، فالمفاعل خاضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالكامل، وأي هجوم عليه، يعد خرقاً صارخاً للقانون الدولي، لذلك؛ تم استبعاده من بنك الأهداف الإسرائيلي الأميركي.

لقد نجحت إسرائيل والولايات المتحدة في تحقيق أهداف الحرب التي أرادتاها، والآن حان وقت وقف الحرب، والذي سوف توافق عليه إيران مرغمة.

إنَّ الضربات الاستباقية التي نفذتها إسرائيل، ثم الولايات المتحدة لاحقاً، استهدفت بالدرجة الأولى القيادات الأكثر أهمية في المؤسسات العسكرية والنووية المختلفة، في حين بقيت القيادات السياسية الكبرى بمنأى عن هذه الاستهدافات! وهذا يعني شيئاً واحداً فقط، وهو: ضرورة بقاء النظام السياسي الإيراني قائماً؛ لجلبه لطاولة المفاوضات، مجرداً من قوته العسكرية والنووية المهمة.

ما زال أمام إيران فرصة تاريخية، بالرغم من الخسائر التي لحقت بها، لعقد مفاوضات سلام حقيقية؛ لتجنب حرب مستقبلية، قد تكون أكثر فتكاً وتدميراً، وبنفس الوقت، ضمان قوة نووية سلمية، تحت إشراف دولي، وما عدا ذلك، مجرد لعب في الوقت الضائع.

إنَّ إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، مصممتان وبشكل جدي، وأكثر من أي وقت مضى، على وضع نقطة النهاية للمشروع النووي الإيراني، ولو لزم الأمر تغيير النظام القائم في طهران.

لعله من السابق لأوانه حالياً، الحديث عن تغيير النظام، إلا أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة إذا لزم الأمر، واقتضت الحاجة.

على النظام الإيراني، أن يدرك جيداً، أن إسرائيل والولايات المتحدة، لن تسمحا نهائياً، بإيران نووية مهما كانت النتائج.

وهو أمر، ما زال عصياً على الفهم لدى العقلية الثيوقراطية، التي تحكم إيران، منذ أكثر من أربعين عاماً وحتى الآن.