التأثيرات الإقليمية والعالمية للصراع مع إيران

التأثيرات الإقليمية والعالمية للصراع مع إيران

الآن، وقد بدأ سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران من الناحية الرسمية المعلنة، حتى مع وجود خروقات له هنا وهناك بحسب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فيمكن النظر بتعمق في مواقف الأطراف الرئيسية الدولية والإقليمية تجاه تلك الحرب ومدلولاتها، والتداعيات المتوقعة لتلك الحرب على الأصعدة الإقليمية والدولية.

فقد سارت الإدارة الأميركية في مسارات متوازية ما بين انضمامها للعمل العسكري بجانب إسرائيل ضد إيران، ثم لاحقاً بتدخلها لفرض وقف لإطلاق النار، وإصدار كبار مسؤوليها التصريحات السياسية والإعلامية المتتالية مرتفعة الكثافة وعالية النبرة، والسعي من أجل تعبئة وحشد الدعم الدولي لها، مع البدء بشكل خاص في أوساط التحالف الغربي، وبدا ذلك واضحاً للعيان عندما خرجت أصوات رسمية من بريطانيا وألمانيا الاتحادية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) تؤكد ضرورة تفكيك البرنامج النووي الإيراني وعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية، بدون التطرق إلى مدى شرعية الهجمات الإسرائيلية، ثم الأميركية، ضد إيران من عدمها.

وتكررت تلك المواقف الغربية خلال الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مساء الأحد 22 حزيران/ يونيو 2025 بناء على طلب عاجل من حكومة إيران لبحث الهجمات الأميركية عليها، كذلك شملت الجهود الأميركية ممارسة ضغوط متنوعة ومتكررة على فرنسا، لا يمكن أن نعتبرها قد نجحت بدرجة كبيرة، للتخلي عن إعلان أو تبني أي مواقف قد تبدو مستقلة عن ذلك الموقف الغربي العام تجاه الهجوم الإسرائيلي ثم الأميركي على إيران. وبقيت، بالمقابل، أصوات رسمية من دول غربية، مثل إسبانيا، تعلن بوضوح رفضها للجوء للحلول العسكرية لمعالجة مسألة الملف النووي الإيراني وتطالب بالعودة لمائدة المفاوضات والرهان على الحل السلمي للأزمة، وتحذر مما قد يحدثه ذلك من حرب إقليمية واسعة لن يتمكن أحد من السيطرة عليها.

وفي ما يتعلق بالتعامل مع مواقف الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى ذات التأثير، فإن واشنطن بدأت في الهجوم الديبلوماسي المضاد على مواقف روسيا المعلنة، التي أعلنتها بشكل متأخر نسبياً، أي بعد الهجوم الإسرائيلي، ولكنها كثفتها عقب الضربات الجوية الأميركية تجاه إدانة الهجمات على إيران، من خلال إحياء الحملة الغربية الديبلوماسية والإعلامية على الحرب الروسية في أوكرانيا ولكن بنبرة مستعرة ومتواصلة من منطلق “إعادة فتح أوراق قديمة”، ولكن الرئيس الأميركي عاد يوم 24 حزيران/ يونيو ليعلن أن الرئيس الروسي اتصل به وعرض المساعدة في تحقيق وقف إطلاق النار، فيما بدا أنه بادرة تهدئة جديدة إزاء روسيا.

ومن المنتظر أن تتبنى واشنطن مواقف مماثلة لما سلكتها مع روسيا إزاء الصين أيضاً، ويأتي ذلك في ضوء موقفي روسيا والصين في مجلس الأمن إزاء الهجمات الأميركية على إيران، وهما موقفان كانا رافضين بحسم للعمل العسكري ضد إيران ومدينين لقصف منشآت نووية مشمولة بنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك دعت الدولتان لتسوية أي خلافات بالطرق السلمية دون غيرها. ولكن يتبقى أن نرى كيف ستتفاعل الولايات المتحدة الأميركية مع الموقف التركي المنتقد بوضوح للهجمات العسكرية الإسرائيلية والأميركية ضد إيران والذي اعتبرها مناقضة للشرعية الدولية، وهو أمر لافت في ضوء خصوصية العلاقات الأميركية التركية وعضوية تركيا في حلف الناتو من جهة، وحرص تركيا على علاقاتها مع إيران على وجه الخصوص ومع الدول العربية والإسلامية بشكل عام من جهة أخرى.

أما على مستوى المنظمات الدولية، فمن المتوقع أن تكون أمام الولايات المتحدة الأميركية معركة ديبلوماسية دولية طويلة المدى في الأمم المتحدة لتحاول كسب بعض الجولات أو على الأقل تحجيم بعض الخسائر والأضرار واحتوائها، والمعركة ستكون أسهل نسبياً في مجلس الأمن الدولي بسبب امتلاك واشنطن حق “الفيتو” تجاه أي مشروع قرار قد تقدمه إيران أو غيرها ضدها، ولكن المعركة قد تكون أصعب في الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتساع رقعة الدول المعادية لنهج الإدارة الأميركية الحالية في التعامل مع ملفات السياسة الخارجية بشكل عام، وكذلك سيكون هناك إحراج دولي لواشنطن إذا ما طلبت طهران، أو غيرها، اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لطلب رأي استشاري إزاء العدوان الإسرائيلي والأميركي الأخير على إيران، ومن جانبه، حرص الأمين العام للأمم المتحدة في كلمته خلال الجلسة الطارئة لمجلس الأمن مساء الأحد 22 حزيران/ يونيو 2025 على إبداء قدر نسبي من “التوازن” فحذر من أي قرار إيراني بالخروج من تحت عباءة معاهدة عدم الانتشار النووي.

كذلك هناك معركة قانونية وديبلوماسية دولية أخرى سيكون على واشنطن، ومعها إسرائيل، خوضها في الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، حيث إن المدير العام للوكالة أطلق أكثر من تصريح منذ انطلاق العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، وواصلها بعد الضربات الجوية الأميركية على مواقع ومنشآت نووية إيرانية، يدين فيه الهجمات العسكرية على منشآت نووية مشمولة بنظام ضمانات الوكالة بما يخالف قرارات أجهزة الوكالة وقرارات مجلس الأمن الدولي وقواعد القانون الدولي، كما حذر بشكل متكرر من مخاطر القصف العسكري على منشآت نووية لما قد يحدثه من تسرب نووي وإشعاعي قد تكون له تداعيات إقليمية خطيرة على المنطقة بأسرها، كما أنه يكاد يكون من المؤكد أن الوكالة ستدعم في أول اجتماع مقبل لها، وبأغلبية كبيرة، حق إيران في بناء وتطوير طاقة نووية للاستخدام السلمي، هذا كله بالطبع ما لم تتخذ إيران قراراً بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي، كما أشار بعض مسؤوليها على مدار الأيام الأخيرة الماضية.

ويجب ألا يتم تجاهل أن مسؤولين إيرانيين قد حذروا في اليومين السابقين على وقف إطلاق النار من أن إيران قد تقوم بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية إذا اتسع نطاق العدوان ضدها، وهو أمر يجب أخذه في الحسبان للمستقبل، لأن إيران بلا شك قادرة عسكرياً على القيام بذلك، كما أن من شأن إجراء كهذا أن يؤثر سلباً على دول المنطقة ودول العالم ومجمل التجارة العالمية وقطاع الطاقة.

ويجب أن نتذكر أن النقطة الفاصلة التي دفعت الولايات المتحدة الأميركية للتدخل بقوة والسعي لفرض وقف إطلاق النار على كل من إيران وإسرائيل كانت الهجمات الإيرانية على قاعدة العديد الأميركية في قطر، والموقف الواضح الذي اتخذته دولة قطر، وأيدتها فيه بوضوح وقوة دول عربية وإسلامية أخرى كثيرة، في رفض وإدانة هذا الهجوم والتحذير من مغبة توسيع نطاق الحرب إقليمياً بما قد يحمله ذلك من مخاطر على السلم والأمن والاستقرار في المنطقة. *مفكر وكاتب مصري