سباق تكنولوجي فائق لإنقاذ القطب الشمالي قبل غرق العالم

إيلاف من سان فرانسيسكو: من كان ليتصور يومًا أن إنقاذ القطب الشمالي قد يتطلب مرايا في الفضاء أو ستائر عملاقة تُثبت في قاع البحر؟ ما بدا وكأنه مشهد من فيلم خيال علمي أصبح، هذا الأسبوع، موضع نقاش علمي جاد داخل قاعات جامعة كامبريدج، حيث اجتمع علماء ومهندسون في مؤتمر يبحث أفكارًا تكنولوجية راديكالية لإبطاء ذوبان الجليد القطبي.
الباحث جون مور، الذي بدأ دراسة القطب الشمالي في الثمانينيات، عاد اليوم ليقود جهودًا تبحث في أكثر من 60 فكرة تقنية لإبطاء الكارثة. فالكوكب يسخن، والقطب الشمالي يسخن أربع مرات أسرع من المتوسط العالمي، وأجزاء كثيرة من الجليد الذي كان يعتمده مور في تجاربه… ذابت. لهذا جاء هذا المؤتمر الحاسم في يونيو 2025 ليحاول تضييق هذه الأفكار إلى عشر فقط يمكن اختبارها فعليًا.
من أبرز المقترحات التي طُرحت كانت تقنية تفتيح الغيوم البحرية، والتي تعتمد على رش رذاذ ماء البحر في الغلاف الجوي لزيادة بياض الغيوم، وبالتالي عكس المزيد من أشعة الشمس ومنعها من تسخين الجليد. هذه التقنية تُنفذ بواسطة مرشّات ذكية تتحكم بها أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمراقبة الرطوبة واتجاه الرياح. ميزة هذه الفكرة أنها قابلة للتوقّف فورًا إن ظهرت آثار جانبية، ما يجعلها في نظر الكثيرين الأكثر أمانًا وقابلية للتطبيق.
أما التقنية الثانية فبدت أكثر جرأة: إطلاق مرايا ضخمة إلى الفضاء لعكس أشعة الشمس. يُطلق عليها Space Mirrors، وتستند إلى تكنولوجيا فضائية متقدمة تتطلب تنسيقًا دوليًا عالي المستوى، ودقة هندسية في التمركز والتوجيه داخل المدار.
فيما اقترح البعض إقامة “ستائر بحرية” تحت الماء لمنع التيارات الدافئة من الوصول إلى قواعد الأنهار الجليدية. تُصنّع هذه الستائر من مواد مرنة مقاومة للضغط، وتُجهز بحساسات لقياس درجات الحرارة وتدفق المياه، وتثبّت في أماكن حرجة تحت المحيط.
لكن أكثر الأفكار إثارة للجدل هي تقنية الحقن الستراتوسفيري، أو ما يُعرف اختصارًا بـ SAI، التي تقوم على نشر جسيمات دقيقة مثل الكبريتات في طبقة الستراتوسفير لعكس أشعة الشمس. يشبّهها العلماء بتأثير البراكين الكبيرة في تبريد الغلاف الجوي، لكنها تثير قلقًا أخلاقيًا واسعًا، خاصة من شعوب الشمال مثل مجلس السامي، الذين رأوا فيها مخاطرة أخلاقية جسيمة.
أمام هذا الجدل، يحاول العلماء تذكيرنا أن تجاهل هذه التقنيات قد يكون أكثر خطورة من اختبارها. الدكتور شون فيتزجيرالد، من مركز إصلاح المناخ بجامعة كامبريدج، قالها بوضوح: “علينا مقارنة مخاطر الفعل بمخاطر عدم الفعل”، مؤكدًا أن التغير المناخي بات أسرع من وتيرة البحث التقليدي.
ورغم أن كثيرًا من هذه المشاريع لا تزال على الورق، إلا أن بعضها بدأ يُختبر ميدانيًا بالفعل. شركات بريطانية وهولندية بدأت العام الماضي بسكب المياه فوق الجليد لإعادة تجميده، ضمن جهود مكثفة للحد من الذوبان.
لكن ليس كل الأفكار قابلة للتنفيذ. فمثلًا، فكرة تعديل التيارات البحرية، والتي طُرحت لأول مرة في الحرب الباردة، تراجعت تمامًا، بعدما أظهرت الأبحاث أن مخاطرها تتجاوز فوائدها بكثير. حتى محاولة بناء ممرات طافية لمساعدة الحيوانات القطبية، وإن بدت إنسانية، إلا أنها تواجه عقبات تمويلية وتنفيذية هائلة.
أما الآن، فإن التقنية التي تحظى حاليًا بتركيز الأوساط البحثية هي تفتيح الغيوم، لأنها قابلة للتحكم، ويمكن اختبارها على نطاق صغير. وقد أعلنت الحكومة البريطانية عن تخصيص تمويل بملايين الجنيهات لتجارب ميدانية فعلية في هذا المجال خلال 2025.
رغم الجدل العلمي والأخلاقي، لم يعد هناك وقتٌ كافٍ للتردد. ذوبان الجليد في القطب الشمالي لم يعد تدريجيًا، بل يتسارع بشكل مقلق، مهددًا بإطلاق سلسلة كوارث مناخية قد تطال كوكب الأرض بأكمله. ومع كل صيف، تتلاشى كتل جليدية كانت تمثل خطوط الدفاع الأخيرة ضد الاحترار الشامل. في مواجهة هذا الانهيار الصامت، تتحوّل تقنيات الهندسة المناخية من أفكار خيالية إلى أدوات باردة لاختبار مصير الأرض. إنها مرحلة لا تسمح بالترف أو الانتظار، بل تفرض على البشرية اللجوء إلى أكثر الحلول جرأةً… حتى لو كانت معلّقة في الفضاء أو مزروعة في قاع البحر.