تقنية أمريكية مبتكرة لكشف صور استغلال الأطفال الجنسي تثير المخاوف

تقنية أمريكية مبتكرة لكشف صور استغلال الأطفال الجنسي تثير المخاوف

إيلاف من سان فرانسيسكو: تخيّل أن هاتفك يُفتَّش دون إذنك، ليس من قبل محقّق، بل من خلال أداة تقنية فائقة الذكاء تبحث في أعماق ذاكرته عن صور تُعتبر أدلة جنائية. هذه ليست قصة خيال علمي، بل واقع بدأ تطبيقه. ما بين أداة تنقذ ضحايا وتُسرّع العدالة، وبين تقنية قد تُسحب من إطارها القانوني وتُستخدم ضد الأبرياء… تقف أحدث أدوات التحقيق الرقمي على الخط الفاصل بين الأمان والقلق.

في 24 يونيو 2025، كشفت صحيفة The Washington Post عن إطلاق شركة Cellebrite ميزة جديدة تستخدمها الشرطة الأميركية لمسح الهواتف والحواسيب المصادرة، بهدف اكتشاف صور استغلال الأطفال بشكل سريع ودقيق. تقوم الأداة بمقارنة الملفات على الأجهزة بقاعدة بيانات تحتوي أكثر من 10 ملايين “بصمة رقمية” صادرة عن “المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين” (NCMEC)، وهي الجهة الرسمية المعتمدة لتصنيف هذا النوع من الجرائم الرقمية.

وتقول أليشا كوزاك، إحدى الناجيات من اختطاف إلكتروني في طفولتها والتي أصبحت اليوم ناشطة في مجال حماية الأطفال: “هذه التقنية تساعد في إنقاذ ضحايا قد يكونون ما زالوا في خطر، وتُسهّل جمع الأدلة وبناء قضايا قوية ضد المتورطين.”

لكن مع كل هذه الميزات، تظهر الأسئلة الصعبة. فبينما يُشترط عادةً وجود إذن قضائي أو موافقة من المستخدم قبل فحص جهازه، هناك استثناءات في المنافذ الحدودية الأميركية، حيث يمكن للوكلاء فحص الأجهزة دون أمر قضائي، وهي ثغرة قانونية مثيرة للجدل.

ورغم أن استخدام الأداة يُبرّر بمحاربة جرائم لا يمكن التهاون معها، إلا أن محامي الدفاع وخبراء الخصوصية يُحذّرون من “إغراء التوسّع”. أي أن امتلاك أداة قوية كهذه قد يُشجّع بعض الجهات الأمنية على تجاوز صلاحياتها، خاصة في ظل غياب رقابة حقيقية أو شفافية في طريقة استخدامها.

المحامية جمانة موسى، والباحث القانوني مايكل برايس، أشارا إلى أن خطورة هذه التقنيات لا تكمن فقط في أدائها، بل في إمكانية أن تُمنح لضباط قد لا يتمتعون بالمصداقية أو الحس القانوني الكامل. حتى لو كان 98% من العناصر ملتزمين، فإن وجود 2% يسيئون الاستخدام، كافٍ لتهديد الثقة العامة بالنظام.

الأكثر تعقيدًا أن هذه التقنيات تستطيع الوصول إلى أدق تفاصيل حياة الناس الرقمية: سجل التصفح، الرسائل، الصور، التطبيقات، وحتى ما تم حذفه. فماذا لو استُخدمت هذه الأدوات في غير موضعها؟ أو فُسّر محتوى بريء بشكل خاطئ؟ أو تم تحليل جهاز بغير إذن قانوني؟

تظل الحقيقة الأهم: هذه الأداة، رغم ما تثيره من قلق، أنقذت ولا تزال تنقذ أطفالًا من أبشع أشكال الانتهاك الرقمي. وربما يكفي هذا السبب وحده للدفاع عن وجودها. لكن الأهم من التقنية نفسها هو من يستخدمها، فكل أداة مهما بلغت من الذكاء، تظل سلاحًا ذا حدّين… إن لم توضع في أيدٍ أمينة، قد تُنقذ ضحية وتُهدّد بريئًا في اللحظة نفسها، إذا غابت الرقابة، وضاعت الأخلاقيات.