الذكاء الاصطناعي يُثير حملة إعلامية غير مسبوقة وسط تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل

إيلاف من لندن: منذ بداية الضربات الإسرائيلية ضد إيران في 13 يونيو، شهدت منصات التواصل الاجتماعي موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي، بحسب ما كشفته وحدة التحقق في هيئة الإذاعة البريطانية BBC Verify. وتضمنت هذه الموجة مقاطع فيديو مصممة بالذكاء الاصطناعي، وصوراً مزيفة توهم بفعالية الرد الإيراني، أو تُظهر مشاهد دمار غير حقيقية داخل إسرائيل، وادعت بعضها إسقاط طائرات إسرائيلية متطورة.
ومن بين هذه المقاطع، تجاوزت ثلاثة فيديوهات مزيفة حاجز 100 مليون مشاهدة، في دلالة على انتشارها الواسع، بينما كانت بعض الحسابات المؤيدة لإسرائيل تعيد تدوير مشاهد قديمة من احتجاجات في إيران، وتروج لها على أنها حديثة لدعم الحملة العسكرية الإسرائيلية.
من جانبها، وصفت مجموعة Geoconfirmed، المتخصصة في التحقق من الصور مفتوحة المصدر، حجم التضليل بـ”المذهل”، متهمة ما يُعرف بـ”مزارعي التفاعل” بالسعي لتحقيق أرباح من نشر محتوى مثير ومضلل على حساب الحقيقة.
ووفق تحليلات BBC، فإن بعض الحسابات على منصة “إكس” شهدت نمواً لافتاً، مثل حساب Daily Iran Military، الذي تضاعف عدد متابعيه من 700 ألف إلى 1.4 مليون في أقل من أسبوع، رغم كونه غير مرتبط رسميًا بأي جهة إيرانية. وتستخدم مثل هذه الحسابات أسماء توحي بأنها رسمية، ما يعزز من قدرتها على تضليل المستخدمين.
صور خادعة وطائرات وهمية
في ظاهرة تُعد الأولى من نوعها، قال محللون إننا نعيش أول حالة يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي بهذا الحجم في نزاع مسلح. وتعددت المزاعم المضللة، منها صور تُظهر عشرات الصواريخ تتساقط على تل أبيب، وأخرى لطائرات F-35 إسرائيلية مدمرة، وهي مقاتلات أمريكية عالية التقنية.
وقالت ليزا كابلان، المديرة التنفيذية لمجموعة Alethea، إن بعض هذه الادعاءات يبدو أنه يُدار من شبكات مرتبطة بحملات تأثير روسية، تهدف إلى زعزعة الثقة في الأسلحة الغربية، خصوصاً الأميركية منها. وأضافت: “روسيا لا تملك رداً فعّالاً على طائرات F-35، لذا تسعى إلى تقويض الدعم لها إعلاميًا”.
ومن أبرز الأمثلة، مقطع حاز أكثر من 21 مليون مشاهدة على تيك توك، يزعم إسقاط مقاتلة إسرائيلية، لكنه في الواقع مأخوذ من لعبة محاكاة طيران. وتمت إزالة الفيديو لاحقًا بعد تواصل BBC مع المنصة.
أما على منصة “إكس”، فقد وُثق أن روبوت الذكاء الاصطناعي Grok أصر في عدة مناسبات على أن بعض هذه المقاطع حقيقية، مستندًا إلى تقارير إعلامية غير مؤكدة. أحد هذه الفيديوهات أظهر شاحنات تحمل صواريخ تخرج من جبل، لكن المحللين رصدوا علامات تزييف واضحة مثل حركة الصخور الذاتية، ما يؤكد توليده عبر الذكاء الاصطناعي.
التضليل المتبادل وحسابات رسمية متورطة
التضليل لم يكن مقتصرًا على جهة واحدة، بل شمل طرفي النزاع. فبينما ضخّت حسابات مؤيدة لإيران مقاطع تُعزز نجاحها العسكري، روّجت حسابات مؤيدة لإسرائيل لمقاطع تُظهر غضبًا شعبيًا في الداخل الإيراني، بما في ذلك فيديو مفبرك يُظهر إيرانيين يهتفون “نحن نحب إسرائيل”.
والمقلق أن بعض وسائل الإعلام الرسمية في إيران نشرت أيضًا صورًا مزيفة، منها ما يُظهر إسقاط طائرة F-35، في حين نشرت الجيش الإسرائيلي عبر “إكس” مقطعًا قديمًا لصواريخ، تم تصحيحه لاحقًا عبر تنويه مجتمعي أشار إلى أنه غير حديث.
وامتد سيل التضليل إلى إنستغرام وتيك توك أيضًا، حيث أكدت تيك توك لـBBC أنها تطبق سياسات صارمة ضد المحتوى المضلل، بالتعاون مع جهات تحقق مستقلة. أما ميتا، المالكة لإنستغرام، فلم تُدلِ بأي تعليق.
دوافع متعددة: من السياسة إلى الأرباح
يؤكد الخبراء أن الدوافع وراء نشر المعلومات المضللة متعددة؛ فبينما يسعى البعض للتأثير السياسي أو تعزيز رواية معينة، يسعى آخرون لتحقيق مكاسب مالية، خاصةً مع تقديم بعض المنصات عوائد مالية لأصحاب الحسابات التي تحقق نسب مشاهدة عالية.
وقال الباحث ماثيو فاتشياني من جامعة نوتردام إن “المحتوى العاطفي والمثير ينتشر أسرع على الإنترنت، خاصة في أوقات الانقسام الحاد مثل النزاعات المسلحة”. وأضاف أن الناس تميل لإعادة نشر ما يتماشى مع هويتهم السياسية، حتى لو لم يتحققوا من صحته.