متى ستنتهي النزاعات في منطقة الشرق الأوسط؟

متى ستنتهي النزاعات في منطقة الشرق الأوسط؟

محمد الرميحي

تنتهي الحروب في حالتين، حسب ما يقوله لنا التاريخ، في الحالة الأولى عندما يكون هناك انتصار واضح لطرف على الطرف الآخر، بحيث يقوم الطرف الأول بسحق قدرة الطرف الثاني العسكرية، وأيضاً المعنوية والاقتصادية. في الحالة الثانية عندما تشعر الأطراف الداخلة في الحرب بأنها لا تستطيع سحق الطرف الآخر كلياً عسكرياً، وبالتالي تذهب إلى الحلول الوسطى.

في التاريخ الحديث، الغرب بالتحالف مع روسيا الاشتراكية شل بشكل كامل قوات هتلر في ألمانيا، وبالتالي اضطرت ألمانيا أن تستسلم، دون قيد أو شرط، كما فعلت في الحرب العالمية الأولى.

في الحالة الثانية، تنتهي الحروب عندما يرى الأطراف المشتركة فيها أنها لا تستطيع أن تنزل هزيمة كاملة لأسباب متعددة، منها القوة النارية، ومنها القوة البشرية، ومنها الجغرافيا، فتركنا من خلال وسطاء إلى الحلول الوسطى، هذا ما حدث بين مصر في حكم أنور السادات وإسرائيل في حكم مناحيم بيغن.

عندما نقرأ مذكرات الرئيس السادات المعنونة (البحث عن الذات) نجد عبارة لافتة إلى أنه ذهب إلى طريق السلام، لأنه يعرف أن إسرائيل تختزن رؤوساً نووية، وأن أمريكا في ظهر إسرائيل مهما حدث، وفي تطور أي صراع ضد إسرائيل لن تتأخر عن استخدام ترسانتها النووية، حيث يكون الأمر وقتها أن قربت هزيمتها (عليّ وعلى أعدائي)، واستطاع من خلال العمل السياسي، الذي اتسم بالذكاء، أن يحقق عودة الأراضي التي احتلتها إسرائيل، في مقابل معاهدة سلام بارد، إن صح التعبير.

العواطف العربية وقتها كانت ضد فكرة السادات، وتم صراع فكري وسياسي طويل المدى ومكلف، إلا أنه بعد فترة وقعت الأردن، الشريك الآخر في الحدود مع إسرائيل، اتفاقية وادي عربة، والتي وضعت أيضاً حداً للصراع الرسمي بين الأردن وإسرائيل.

وتوجه قطاع سياسي في إسرائيل إلى حلول وسطى أيضاً مع الفلسطينيين، وعادت منظمة التحرير إلى الداخل الفلسطيني، ثم تطور الأمر إلى ما يعرفه الجميع حتى وصلنا إلى 7 أكتوبر 2023.

ترى إيران أنها قد استهدفت في الحرب الأخيرة، وأنها لم تبدأ الحرب، وهذا صحيح تكتيكياً، وهناك رأي يقول، إن إيران قد سلحت وشجعت ومولت قوى ما تحت الدولة في الجوار، من أجل مشاغلة إسرائيل عن بعد.

بنت إيران استراتيجيتها، التي تم الإعلان عنها، لتكرر أنها تحارب خارج حدودها، حتى لا تصل الحرب إلى حدودها. الآن كما يقول المثل (وقع الفأس في الرأس)، أي أصبحت الحرب على الأراضي الإسرائيلية، والأراضي الإيرانية مباشرة دون وكلاء!

كلا الطرفين، حسب موازين القوى، لا يمكن لأحدهما أن يتغلب على الآخر، لا إيران باستطاعتها محو إسرائيل، ولا إسرائيل باستطاعتها أن تتغلب على إيران، لأسباب عديدة، منها الجغرافيا، وأيضاً تصميم الدفاع عن الأراضي الإيرانية، المخرج الوحيد هو التفاوض، أي الذهاب إلى مكان وسط، ولكن المعضلة هنا هي السلاح النووي.

ومن الواضح أن القوى الدولية، سواء كانت الصين أو روسيا أو أوروبا أو الولايات المتحدة، لا ترغب بأن ترى إيران نووية عسكرياً، ولا حتى الجوار، وهذه الرغبة تتعاضد مع الرغبة الإسرائيلية، إيران أعلنت أكثر من مرة أنها لا ترغب أيضاً في التسلح النووي، إلا أن بعض التقارير تقول إن السلوك الذي تقوم به يؤشر إلى أن الهدف هو ذاك في نهاية المطاف، هنا الشكوك عالية المستوى تفرز عدم اليقين.

الحل هو اتفاقية تقرر مستوى ما يجب على إيران الاحتفاظ به من وقود نووي للأعمال السلمية، وما يجب التخلص منه، والذي قد يكون سبباً في شكوك تتعاظم بأنها تتجه إلى عسكرة هذه المادة.

لا مناص سوى أن تصل الأطراف إلى تلك الحلول، وبالتالي فإن إطالة الحرب هي خسارة فادحة للأطراف المشتركة فيها، وأيضاً للإقليم.

على عكس ما يرى البعض أن هناك إمكانية بتغيير الأنظمة من الخارج، وأيضاً على عكس ما يرى البعض أنه بالقوة وحدها يمكن إخضاع الشعوب، تلك أوهام ثبتت أكثر من مرة، منذ فيتنام وحتى أفغانستان، مروراً بالعراق، أنها شعوذة.

حاولت قوى خليجية، مباشرة أو مداورة، إيصال مثل هذه الرسائل إلى الأطراف المتشابكة، إلا أن الكثير من العواطف، وربما الكثير من الأوهام، قد وقفت أمام تبين الرؤية الواضحة، من أن الصراع العسكري هو خسارة – خسارة لا أكثر. وطرحت الفكرة العربية القديمة- الجديدة (حل الدولتين)، للخروج من أزمات الشرق الأوسط المزمنة.

ننتظر الأيام المقبلة لنرى إذا ما أمكن أن تتلازم الحكمة والشجاعة، كلاهما معاً يستطيعان أن يجدا حلاً مُرضياً لجميع الأطراف، في واقع يقول لنا، إن حروباً لا تنهي المشكلات، ولكنها تؤسس لمشكلات أخرى.