تراجع صناعة السفن في الولايات المتحدة… والجيش يعتمد على الذكاء الاصطناعي لسد الفجوة.

إيلاف من سان فرانسيسكو: في خضم صراع تكنولوجي يتجاوز حدود البر والجو، تدخل الولايات المتحدة مرحلة دقيقة في سباق السيطرة البحرية مع الصين، وسط تراجع مثير للقلق في قدراتها التقليدية على بناء السفن الحربية. وبينما تُصدر بكين نصف الإنتاج العالمي من السفن تقريبًا، تكافح البحرية الأميركية للحفاظ على أسطولها المتقادم، في وقت لا تستطيع فيه تعويض ما يتآكل منه.
لكن المفارقة اللافتة ليست في التراجع الكمي فحسب، بل في طبيعة الحلول المطروحة. فبدلاً من مضاعفة إنتاج الحديد والفولاذ، بدأت وزارة الدفاع الأميركية في ضخ الاستثمارات نحو شركات ناشئة مدعومة من وادي السيليكون، مهمتها تطوير “سفن ذكية” ذاتية القيادة تعتمد على البرمجيات المتقدمة.
هذه الطفرة الرقمية تصطدم يوميًا بالواقع الصناعي، فمعظم هذه الشركات لم تبنِ سفينة واحدة من قبل، في حين لا تزال أحواض بناء السفن التقليدية ترى في مطوّري البرمجيات عبئًا لا سندًا. يقول أحد القادة العسكريين: ‘لا يمكنك ببساطة برمجة سفينة بالتفكير السيليكوني وتوقّع أن تطفو في البحر… عليك أن تثني الحديد وتلحمه. فالتفكير السيليكوني يبرع في رسم النماذج وابتكار الأكواد، لكنه يتعثر عند أول شرارة تلحيم أو صوت مطرقة في ورشة بناء السفن.’
وفي ظل هذه الفجوة، يبرز تحدٍ مزدوج: من جهة، تُطالب البحرية بسفن متقدمة لمواجهة أساطيل الصين المتنامية، ومن جهة أخرى، لا تستطيع الاعتماد كليًا على الشركات التقليدية بسبب بطء وتيرة إنتاجها، ولا على الوافدين الجدد الذين لا يملكون خبرة عملية كافية.
أما التحدي الأكبر، فهو في زمن الأزمات. كما حدث في أوكرانيا، حين أنقذت مصانع الذخيرة القديمة الموقف بينما وقفت الشركات الناشئة عاجزة، تتكرر الآن نفس المعادلة في بحر الصين الجنوبي. فالحسابات الجيوسياسية لا تنتظر وعود البرمجة المستقبلية.
لكن رغم هذه المعوقات، يرى البعض في هذا التصادم فرصة لإعادة تشكيل قطاع الدفاع البحري الأميركي من الجذور، عبر مشاريع هجينة تجمع بين دقة الصناعة التقليدية وسرعة التحديث الرقمي. المصانع بدأت فعليًا في الرقمنة، والجيش يختبر نماذج أولية لسفن ذاتية القيادة، وإن كانت الطريق لا تزال طويلة.
في النهاية، يبقى السؤال المعلّق: هل تستطيع أميركا ردع خصومها في شرق آسيا دون أن تُصلح سفنها أولًا؟ فالبحر لا يرحم، ولا ينتظر من لم يُعدّ عدّته بواقعية.