إيران تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، لا من أجل مصلحتكم.

إيران تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، لا من أجل مصلحتكم.

المواجهة التي نشهدها اليوم بين إيران وإسرائيل ليست حدثًا مفاجئًا، بل تمثل مسارًا حتميًا في مشهد تتراكم فيه الحسابات وتضيق فيه هوامش المناورة. بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وحين دوى صوت غزة في كل العواصم، قرأت طهران الرسالة جيدًا لكنها لم تتسرع في الرد لأنها أدركت مبكرًا أنَّ المواجهة المباشرة مع إسرائيل تعني ضمناً مواجهة غير مرغوبة مع الولايات المتحدة، لكن لم يعد ممكنًا تلافي هذه المواجهة بعد أن عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وأصبحت محاولات كسب الوقت في ملف النووي أمرًا غير ممكن.

في الداخل الإيراني لا تبدو الحرب اليوم موضوعًا للانقسام، فالشعور بالعدوان الخارجي أعاد تمتين الجبهة الشعبية ولو بشكل مؤقت، وغطى على موجة السخط الشعبي تجاه الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، لكنَّ السؤال الأهم لا يتعلق بما يحدث الآن بل بما سيأتي لاحقًا: هل ستخرج طهران أقوى أم أكثر عزلة؟ وهل سيكون الاقتصاد الإيراني قادرًا على امتصاص التبعات أم أنَّ الشعب سيدفع الفاتورة وحده؟

المواجهة بين إسرائيل وإيران أصبحت علنية ومباشرة بعد سنوات من تجربة الحرب بالوكالة: سنوات من الدعم المالي العسكري في جنوب لبنان وغزة واليمن مكنت إيران من توظيف محورها المقاوم بأقلّ الأضرار بالنسبة إليها، لتتلقى حماس والجهاد الإسلامي أقسى الضربات في حين كانت فيه طهران منهمكة بالمفاوضات الدبلوماسية في فيينا ومسقط أو بالأحرى منشغلة بهندسة حرب خارج حدود أراضيها وموظفة للقضية الفلسطينية كوقود لصراعها الأيديولوجي ضد إسرائيل، أما تأثيرها في المشهد اللبناني واليمني والعراقي فقد كان يتم توظيفه بالدرجة الأولى ضد دول الخليج.

المتغير الجديد في هذه المواجهة هو أنَّها تحمل في طياتها ملامح التحول في موازين القوى في الشرق الأوسط برمته، فنجاح إيران في فرض معادلة ردع سيعيد رسم خارطة النفوذ، ويمنح أذرعها في لبنان وفلسطين دفعة معنوية تعوض بها بعض الخسائر إلى أن تتمكن من إعادة بناء نفسها مجددًا، لكن فشلها سيكلف المحور خسارة الرأس، ولن تجد حماس والجهاد من يُنقذ مشروعهما إن سقط ظهره الإيراني وسيستحيل على حزب الله أيضًا القدرة على التعافي والقدرة على استرجاع زمام الأمور في لبنان.

لكن في الحقيقة تبدو فرص إيران في كسب هذه المواجهة المباشرة مع إسرائيل ضئيلة، لا لأنَّ ميزان القوة يميل بالضرورة لصالح تل أبيب، بل لأنَّ واشنطن لم تُخفِ نيتها في الالتحاق بالركب متى ما استشعرت أنَّ “المعركة المصيرية” التي تلوّح بها طهران قد تتجاوز حدود الاستعراض إلى اشتباك فعلي يهدد أمن الحليف الإسرائيلي.

صحيح أنَّ دخول إيران المباشر في المواجهة يشكل جبهة تشتيت تضغط على تل أبيب وهو ما سينعكس بطبيعة الحال على أرض المعركة في قطاع غزة ويكسب حماس بعضًا من الوقت والقوة، لكن إن توصل المسار التفاوضي غير المباشر بين إيران وإسرائيل إلى تفاهمات تنهي جولة التصعيد من دون أن تشمل هذه التفاهمات ملف حرب غزة، هنا ستعيد كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي النظر في رهانهما الكلي على محور يدير معاركه وفق مصالح لا تتطابق بالضرورة مع أولويات المشهد الفلسطيني.

حتى وإن منحت المواجهة الإسرائيلية الإيرانية حماس شيئًا من الوقت لإعادة ترتيب أوراقها، إلا أن ذلك لا يعد نصرًا بحد ذاته ما دامت هذه المواجهة فُرضت في الأصل على إيران ولم تندلع في الأصل بغية وقف العدوان على القطاع، وما دامت إيران وجهت صواريخها نحو تل أبيب وحيفا ليس من باب الإسناد لغزة بل عندما تعرض مشروعها النووي لخطر التدمير، لذلك يفترض بالفصائل الفلسطينية أن تجري مراجعة عميقة لتجربتها مع المحور الإيراني، وأن تمتلك جرأة الاعتراف بأنها لم تكن سوى أداة ضمن مشروع لا يرى في فلسطين إلا ساحة لتسوية الحسابات، ووسيلة لتحسين شروط التموضع الإقليمي لطهران في صراعاتها المفتوحة.