الأكراد: وسط صراعات الشرق الأوسط وخيانات الخرائط

اندلعت شرارة الحرب بين إيران وإسرائيل، لتفتح أبواب الجحيم على المنطقة بأسرها. صواريخ متبادلة، تصريحات نارية، وتحركات عسكرية تُنذر بأنَّ القادم أعظم. هذه الحرب، وإن بدت بين دولتين، إلا أن ارتداداتها ستطال الجميع، من الخليج إلى تركيا، ومن كردستان العراق إلى سوريا ولبنان واليمن. فهل نحن أمام بداية لتغيير خريطة الشرق الأوسط من جديد؟
من السهل إشعال حرب مع إيران، لكن من الصعب جداً إنهاؤها. تاريخ الجمهورية الإسلامية في الصبر والمراوغة الطويلة، كما في حربها مع العراق (1980 – 1988)، يثبت أنها تجيد إدارة الحروب الطويلة. طهران تعرف أنَّ المعركة ليست مجرد صواريخ، بل معركة وجود ونفوذ، ولهذا فهي تستعد لصراع مفتوح قد يمتد لسنوات.
ومن المؤكد أنَّ الولايات المتحدة لن تقف على الحياد طويلاً، وستنجرّ إلى ساحة المواجهة، سواء عبر الدعم المباشر لإسرائيل أو عبر قواعدها في الخليج. وقد تُغلق مضيق هرمز في لحظة تصعيد حاسمة، ما سيؤثر على الاقتصاد العالمي بأكمله، خاصة دول الخليج التي ستكون في مرمى النيران.
وأمَّا الفصائل العراقية الموالية لإيران فلن تقف متفرجة. تدخلها المحتمل قد يشمل استهداف قواعد أميركية أو حتى مناطق في إقليم كردستان. وهذا يُحتم على قيادة الإقليم انتهاج سياسة “ضبط النفس الكامل”، وعدم الانجرار لأي محور، فالإقليم ليس بعيدًا عن صواريخ إيران، وضربة واحدة قد تشل مطار أربيل وتعطل مشاريع حيوية.
ولطالما كان الأكراد ضحية التحالفات المؤقتة والصفقات الدولية العابرة، إذ تشير تجاربهم السابقة إلى نمط واضح من الخذلان من قبل القوى الكبرى، كلما اصطدمت المبادئ بالمصالح السياسية.
وهنا بعض من أبرز المحطات التي شكّلت الذاكرة السياسية الكردية؛
يجب أن يتعلم الأكراد أنَّ الثقة المطلقة في الحلفاء الكبار ليست خيارًا آمنًا. في 2018، تخلّت أميركا عن حلفائها الأكراد في عفرين، وسمحت لتركيا باجتياح المدينة. وفي 1975، أغلقت إيران باب الدعم عن ثورة البارزاني بعد اتفاق الجزائر. وقبلها، تخلّت روسيا عن جمهورية مهاباد الكردية عام 1946. وفي كل مرة، كان الثمن باهظًا.
وأيضًا اتفاقية سيفر عام 1920 نصّت لأول مرة على حق الأكراد في إقامة دولة مستقلة، لكنَّ الاتفاق دُفن مبكرًا بعد أن رفضته تركيا وحلّ محله اتفاق لوزان. ومنذ ذلك الحين، بقي الحلم الكردي رهينة حسابات الدول الكبرى.
وفي حال أيّ تصعيد كبير في الحرب، سيتسبب بموجات نزوح جديدة من إيران والعراق وسوريا. وكما حصل سابقًا، سيكون إقليم كردستان أحد المتلقين الأساسيين لهذه الموجات، ما يفاقم من أزماته الاقتصادية والخدمية ويستنزف موارده المحدودة. وربما سيتأثر الداخل التركي أيضًا، وعلى الأكراد في سوريا، الذين وإن تلقوا دعمًا إسرائيليًا ضمنيًا، أن يعلموا بأن تركيا لن تسمح بقيام كيان كردي مستقل على حدودها. أما إيران، فحتى إن أُضعفت بفعل الحرب، فالنظام سيبقى – ولكن أقل قدرة ولا دعم لفصائلها الخارجية.
وقد ينتهي الصراع باتفاق أميركي – إيراني يتضمن شرطًا أساسيًا: إنهاء المشروع النووي ووقف دعم الفصائل المسلحة في لبنان، العراق، اليمن، وسوريا. وهو ما يعني نهاية دور تلك الجماعات، ومحاسبة بعضها.
كحلاصة، فإنَّ الخيار الوحيد يكمن في توحيد الصف الكوردي والحياد الذكي والحفاظ على الاستقرار الداخلي، وتفادي الانجرار إلى الصراعات بالوكالة. وإذا أراد الأكراد أن يحافظوا على مستقبلهم، فعليهم انتهاج الحياد. لا إيران يمكن الوثوق بها، ولا أميركا تُعطي دون مقابل، ولا إسرائيل تدعم مجانًا. الحل هو تثبيت الكيان الكردي الموجود في العراق وسوريا، والعمل عبر المحافل الدولية لتثبيت الحقوق، بعيدًا عن الدخول في صراعات المحاور.
وأضيف أن الحرب المشتعلة قد تغيّر توازنات كثيرة، لكنها أيضًا فرصة تاريخية لإعادة طرح القضية الكردية، وخاصة في تركيا وإيران تحت ظل هذا الواقع المتغير. والسؤال هو: هل يتصرف قادة الأكراد بوعي استراتيجي؟ أم يكررون دروس التاريخ المؤلمة؟