حزب الله: بين ضغوطات إسرائيل وقيود إيران

لم تعد “المقاومة” درعًا، بل عبئًا ثقيلًا تئنّ تحته دولة ممزّقة. الضربة الإسرائيلية العميقة لإيران لم تكن صفعةً لمفاعل أو رسالةً لطهران وحدها، بل زلزالًا سياسيًا هزّ أركان المشروع الإيراني في المنطقة، ومن ضمنه حزب الله الذي يقف اليوم على مفترق طرق حاد، كمن يمشي على سيف مقلوب.
منذ اندلاع حرب غزّة، بدا وكأن إيران قررت خوض معاركها بالوكالة حتى الرمق الأخير. لكنَّ الضربة الإسرائيلية كسرت القناع، وأخرجت “الحرس القديم” من دائرة المناورة إلى قلب الاستهداف المباشر. ومع هذا التحول، وجد “حزب الله” نفسه بلا ظهر يحميه ولا غطاء يُقنع به الداخل أو الخارج.
سلاح الحزب، الذي طالما قدّمه كعصا الردع، لم يعد يُخيف أحدًا. لا هو ردع إسرائيل، ولا حمى إيران، بل كشف حجم الورطة التي يدور فيها لبنان برمّته. مع تبدّل المعادلات الإقليمية، لم يعد مجديًا الحديث عن “توازن الرعب” أو “الممانعة”. ما عاد لهذا السيف من غمد، ولا لهذا الخطاب من جمهور.
ومع خروج إيران من سوريا وانكشافها في الداخل، تتقلّص أوردة التمويل والتهريب والدعم، ويبدأ الحزب التفكير بمنطق “التحوّل السياسي”، من سلاح في الظل إلى غلبة في صناديق الاقتراع، ومن قبضة أمنية إلى إمساك بالمفاصل من داخل الدولة. لكنّ هذا الانتقال لا يُخفي الخطر، بل يضاعفه، حين تصبح الديمقراطية واجهة لحكم الحزب الواحد، والمقاومة ستارًا لحكم شمولي مذهبي.
إنَّ الحرب الإسرائيلية – الإيرانية لم تضع “حزب الله” على طاولة التفاوض، بل دفعته نحو حافة الانكشاف. لا هو قادر على خوض الحرب، ولا على التخلّي عن مشروعٍ يتآكل من الداخل. تمامًا كما يسقط النسر من علٍ حين تنكسر جناحاه، يسقط المشروع حين ينهار عمقه الاستراتيجي.
لقد تغيّر الزمن، وما كان ممكنًا في 2006 بات اليوم وصفةً للانتحار. إن لم يبادر الحزب إلى مراجعة شاملة، فإنَّ الطوفان الآتي لن يميّز بين صخرة المقاومة وقارب الوطن الغارق.