تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران: هل يفتح الطريق لإنهاء نزاع غزة؟

تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران: هل يفتح الطريق لإنهاء نزاع غزة؟

لا تحسم الحروب دائمًا بساحات الاشتباك المباشر، بل كثيرًا ما تُحدَّد مآلاتها في دوائر النفوذ ومواقف الحلفاء، ولهذا فإنَّ الضربات العسكرية التي تستهدف إيران لا تنذر فقط بتحوّل إقليمي خطير، بل تطرح سؤالًا استراتيجيًا مقلقًا، وهو: ماذا يعني تراجع إيران بالنسبة لحماس، ولحرب غزة المستمرة منذ أكثر من سنة وثمانية أشهر؟

طيلة سنوات شكّل النظام الإيراني الشريان الأساسي لدعم حركة حماس، سياسيًا وماليًا وعسكريًا، ليس فقط عبر التمويل والسلاح، بل أيضًا من خلال توفير المظلة السياسية في محافل عديدة إلى جانب تركيا.

غير أنَّ انشغال طهران هذه الأيام بجبهتها الداخلية التي تتعرّض لضربات عسكرية إسرائيلية مباشرة، قد يعيد رسم خريطة موازين القوى في المنطقة، فإذا ضعفت إيران، ضعفت الأذرع التابعة لها، وإذا انكفأت عن دعم حركة حماس، ستتراجع قدرة حماس على الاستمرار في الحرب لمدة أطول، أو على الأقل تراجعت قدرتها على التصعيد.

لا يعني هذا بالضرورة نهاية للصراع، لكنه قد يكون بداية لتغيير قواعد اللعبة، فلطالما اعتمدت حركة حماس على ثنائية “الصمود والدعم الخارجي”، وفي غياب أحد الضلعين، تصبح المعادلة غير مستقرة، ومع تقلص الدعم الإيراني، يتقلص النفوذ الإقليمي للحركة التي لا تحظى بدعم عربي رسمي على عكس السلطة الفلسطينية.

يرى الوسطاء أنَّ هذا التراجع فرصة لا تُقدّر بثمن. فإذا اجتمع ضعف الدعم الإيراني، مع الضغط الدولي، والإنهاك الشعبي الداخلي في غزة، فإنَّ إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم تبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى، إنها لحظة قد لا تتكرر، لحظة يمكن فيها للعقل السياسي السليم أن يتغلب على منطق الشعارات.

في هذا السياق، يتحول مسار الحرب في غزة من مسألة فلسطينية داخلية، إلى ملف إقليمي مرتبط بمصير إيران وحجم تدخلها، وطبيعة الردود الدولية على ذلك، فكل تغير في المعادلة الإيرانية ينعكس حتمًا على مصير قطاع غزة، وإذا كانت المقاومة قد استمدّت زخمها في الماضي من الدعم غير المشروط، فإنها اليوم تواجه واقعًا متغيرًا، تفرضه الظروف لا الخطابات.

ربما آن أوان التحول من “استثمار الدماء” إلى استثمار الفرص، وربما لم تعد مفردات “الصمود” كافية لتفسير حجم الدمار، ولا شعارات “التحرير” كفيلة بتبرير كل هذا الخراب، فحين يضعف الداعم وتترنح المنصة التي يعلو منها الصوت، لا بد أن تعاد قراءة المشهد من جديد: ماذا نريد؟ حربًا بلا أفق، أم مخرجًا يُنقذ ما تبقى من حياة في غزة المدمرة؟

أخيراً وليس آخراً، لا تُقاس قوة حماس بما تبقّى لها من صواريخ، بل بما تبنيه من أمل لدى الغزيين الذين أنهكتهم ويلات الحرب والموت والدمار، ولا يُقاس النصر بعدد الأيام التي صمدت فيها، بل بقدرتها على تحويل ذلك الصمود إلى مشروع سياسي يُعيد للناس كرامتهم ويضمن لهم مستقبلًا، لا أن يعلّقهم في دوامة انتظار لا تنتهي، ولعل المستقبل القريب يحمل طوق نجاة جديدًا وفرصة قد تكون الأخيرة أمام قطاع غزة للخروج من النفق المظلم الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي، في ظل انشغال بنيامين نتنياهو وحكومته بإيران بعد أن سحبت إسرائيل جزءًا كبيرًا من قواتها من قطاع غزة لحفظ الأمن في جبهتها الداخلية.