التحديات التي تواجه المعارضة الإيرانية وآفاق الإطاحة بالمرشد الأعلى

ارتكزت استراتيجية إسرائيل في حربها على إيران إلى ثالوث متوازٍ ومتكامل. الأول: ضربة جوية صاعقة للمنشآت الحيوية العسكرية والإدارية والاقتصادية، وشلّها. والثاني: المباغتة باغتيال قادة ميدانيين مؤثرين. والثالث: تفجير الجبهة الداخلية، بخلق النقمة والسخط على الحكومة التي لم تتحاشَ الحرب، وجرّت البلاد للتدمير.
هيّأت إسرائيل بذلك خلق المناخ لتحرّك القوى السياسية المعارضة التي تزيد في تشتيت قوى الحكومة، وتزجّ بها في أجواء القلق الأمني والسياسي، فتربكها في استيعاب الضربة. وتجلى ذلك بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنَّ معركته تتطلب تغيير النظام الإيراني إيحاءً للمعارضة للتحرك والإعداد للحظة الصفر لتحريض الشارع وقيادته.
غير أنَّ المعارضة الإيرانية لا تُحسد على الفرصة الذهبية التي أُتيحت في خضم عدوان مدمّر على بلادها. لذلك بدت المعارضة في مأزق أخلاقي معقّد في تفعيل أنشطتها السياسية، لأن كل حركة مناوئة للسلطات في هذا الظرف مُدان وطنياً ودينياً، لأن الوطن في حرب تطال المقدرات الاقتصادية والعسكرية الوطنية، وفي الوقت عينه بحسب تصنيفات الوجدان الاجتماعي الديني هو اصطفاف في خندق الكفر ضد خندق الإسلام.
بالرغم من حساسية موقف المعارضة وتريثها تعاطفاً مع الشعب الإيراني الذي يئنّ تحت وطأة التدمير الإسرائيلي، بدأت تظهر بخجل لافت أصواتٌ تدعو للتحرك لإسقاط نظام المرشد علي خامنئي، واستغلال تفاقم سخط أميركا وحلفائها على إيران، وتحميل قادتها استدراج بلادهم إلى الحرب نتيجة عنادهم في المفاوضات النووية، إضافة إلى النقمة على دورهم العابث بالاستقرار العالمي من خلال تفريخ حركات تزعزع أمن مجتمعات جيرانها حلفاء أميركا. ويوفّر هذا السخط للمعارضة بيئة لتوحيد صفوفها، واستثمار التجييش الإسرائيلي ضد النظام الإيراني.
ومن أبرز هذه الأصوات بيان ولي عهد إيران السابق، رضا بهلوي، الذي رأى أنَّ خامنئي يسحب البلاد إلى حرب، لا تعبّر عن إرادة الشعب الإيراني، واصفاً الصراع الحالي بأنه “حرب خامنئي، وليست حرب إيران”. ودعا رجال العسكر والشرطة والأمن إلى الانفكاك عمّا وصفه بـ”القيادة الفاسدة والعاجزة” والانضمام إلى الشعب. وحثّ الشعب الإيراني على إسقاط النظام بالاحتجاجات الشعبية والإضرابات الوطنية. وبيّن أن النظام الإيراني باستبداده وفساده يستعدي العالم على إيران، ويقدّم له الذرائع لتدمير إيران، وأكد أن العصيان المدني هو الطريق الأنجع لإسقاط النظام، وإنقاذ إيران الوطن، وأشار إلى أن هذا العصيان سيلقى الدعم والتأييد العالميين.
وقال: “نظام الخامنئي عاجز ومجرم. وعصيانكم، مثل الامتناع عن العمل أو الإضراب مثلاً، قد يوجّه ضربة قاضية لفشل هذا النظام”. ثم كتب على منصته: “رسالتي للقوات العسكرية والأمنية واضحة: هذا النظام وقادته الفاسدون وغير الأكفاء لا يقدّرون حياتكم ولا يقدّرون إيراننا”.
وبدأت حركة “مجاهدي خلق” تنشط في تحريض الشارع الإيراني على حشد الاحتجاجات لإسقاط سلطة الخامنئي. وتعدّ هذه الحركة من أكبر مكونات المعارضة الإيرانية وأكثرها تنظيماً ونشاطاً، وهي جزء من ائتلاف “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” الذي شكّل برلماناً في المنفى، وهو يضم خمس حركات وأحزاباً وأكثر من خمسمئة من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية. وكانت قد تأسست هذه الحركة سنة 1965، ولها تجربتها النضالية الطويلة، وأثرها في الإطاحة بنظام الشاه، ثم انقلبت على ثورة الخميني رفضاً لنظام ولاية الفقيه، كما ترفض حركة بهلوي العودة إلى الشاهية.
ويرفد هذه التحركات الخجولة تيار جيل “زد” الإيراني، وهو المعوّل على تأثيره وفاعليته، ورؤاه الحديثة للدولة والمجتمع. وهو تيار معارض شرس لنظام الملالي، ويصفه بالمتخلف الذي يعاكس حركة الزمن، مخالفاً نواميس الوجود، وراعي الإرهاب الذي يسهم في عزلة إيران وإخراجها من حركة التاريخ الحضاري.
يشكل هذا الجيل تأثيراً قوياً يستقطب فئات عريضة من الشارع الإيراني ومثقفيه. لكن لم يبدأ هذا التيار حركته بقوة تحت ضغط أخلاقية الموقف الوطني في ظرف العداء على الوطن، لكن لن يبقى هذا الضغط حاجزاً صامداً أمام تطورات الحرب وإحداثها بيئة مناسبة للانقضاض الشعبي على الحكومة.
يعتقد هذا التيار أن نبض الشارع الإيراني يعوّل عليه في ثورة التغيير، ويُقدّر أنه يلقى دعماً أميركياً وأوروبياً كبيراً. فهو مهيّأ لأن يكون حصان طروادة الذي يطيح بالملالي، ويقود إيران في طريق الحضارة التي يدعو إليها الغرب.