تراجع العجز التجاري الأمريكي إلى أدنى مستوياته في عامين.. والصين محل اهتمام.

جاء تقرير التجارة الأميركي لشهر يونيو تموز ليُسجّل نقطة تحوّل بارزة، فقد انخفض العجز التجاري الأميركي بنسبة 16% ليصل إلى 60.2 مليار دولار، وهو أدنى مستوى منذ سبتمبر أيلول 2023. هذا الانخفاض المفاجئ لم يكن مجرد رقم جديد في سلسلة البيانات، بل يعكس آثاراً مباشرة وواسعة لسياسات الرسوم الجمركية التي ينتهجها الرئيس دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام.
أظهرت بيانات وزارة التجارة الأميركية تراجعاً حاداً في واردات السلع الاستهلاكية، فيما سجّلت الصادرات انخفاضاً طفيفاً لتبلغ 277.3 مليار دولار مقابل 278 ملياراً في مايو أيار.بينما تراجعت الواردات إلى 337.5 مليار دولار مقارنة بـ350.3 مليار في الشهر السابق.
هذا التراجع في الواردات، لا سيما من الصين، ساعد على دعم الناتج المحلي الإجمالي الذي سجّل نمواً بنسبة 3% في الربع الثاني من العام، بعد انكماش بنسبة 0.5% في الربع الأول، الذي شهد اندفاعاً شرائياً من قبل المستهلكين والمستوردين لتخزين السلع قبل دخول الرسوم حيز التنفيذ.لكن خلف هذا التحسن الظاهري في النمو، تُظهر مؤشرات عدة تباطؤاً في النشاط الاقتصادي، إذ إن جزءاً كبيراً من هذا الانتعاش لا يعكس زيادة في الطلب الحقيقي، بل تغييرات هيكلية مدفوعة بالسياسات التجارية.أما المفاجأة الأكبر فكانت من جهة الصين، فقد انخفض العجز التجاري الأميركي معها إلى 9.5 مليار دولار فقط، وهو الأدنى منذ فبراير شباط 2004. يعكس هذا التراجع بنسبة 70% خلال خمسة أشهر فقط تحوّلاً جذرياً في طبيعة العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، بعد أن فرضت الإدارة الأميركية رسوماً جمركية بنسبة 30% على معظم الواردات الصينية.في المقابل، انخفضت واردات أميركا من الصين إلى 18.9 مليار دولار، وهو المستوى الأدنى منذ 2009، جاء هذا التراجع في وقت التقى فيه مفاوضون تجاريون من البلدين في السويد، سعياً لكبح التصعيد الذي بلغ ذروته في وقت سابق هذا العام برسوم متبادلة تجاوزت 100%.أكّد الرئيس ترامب في مقابلة تلفزيونية على قناة سي إن بي سي CNBC أن المفاوضات مع بكين «تسير بشكل جيد جداً».كما أشار إلى قرب التوصل إلى اتفاق، بينما أوصى المفاوضون بتمديد المهلة المقررة في 12 أغسطس آب لتفادي العودة إلى الرسوم الأعلى.تزامناً مع هذه التطورات، قدر مختبر الميزانية بجامعة ييل أن متوسط الرسوم الجمركية الأميركية قد قفز إلى 18.3%، وهو الأعلى منذ عام 1934، مقارنة بمعدل يتراوح بين 2% و3% قبل تولي ترامب السلطة في يناير كانون الثاني. كما هدّد الرئيس الأميركي مؤخراً بفرض رسوم جديدة على الهند بسبب شرائها النفط من روسيا.في ظل هذه المعطيات، يتّضح أن ترامب لا يستخدم الرسوم الجمركية كأداة ضغط اقتصادية فحسب، بل كوسيلة لإعادة تشكيل علاقات أميركا التجارية على مستوى العالم.