بعد استحواذ “تيتان” على حصة مسيطرة في “داماس”… هل يتحول الخليج إلى مركز جديد لتصميم وتصنيع “تانيشك”؟

بعد استحواذ “تيتان” على حصة مسيطرة في “داماس”… هل يتحول الخليج إلى مركز جديد لتصميم وتصنيع “تانيشك”؟

تراهن شركة «تيتان» الهندية على الخليج بثقة كبيرة، ففي خطوة استراتيجية قد تُعيد رسم خريطة المنافسة في سوق المجوهرات الإقليمي، أعلنت «تيتان» -التابعة لمجموعة «تاتا» الهندية- استحواذها على 67% من أسهم داماس، العلامة الفاخرة في قطاع المجوهرات التي تمتد جذورها لأكثر من قرن وتتخذ من دبي مقراً لها. ومن المرجح أن توفّر هذه الصفقة وصولاً فورياً لـ«تيتان» إلى 146 متجراً موزعاً في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي، في خطوة توصف بأكبر توسع دولي للشركة حتى الآن.
لكن وراء الأرقام تكمن استراتيجية أعمق: استهداف قاعدتين جماهيريتين مختلفتين —المستهلك الخليجي الراقي الذي يثق بـ«داماس»، والجالية الآسيوية التي ترتبط بعلامة «تانيشك» التابعة لتيتان.وقال سي. كيه. فينكاتارامان، العضو المنتدب لشركة تيتان لـCNN الاقتصادية، إن علامة داماس التجارية هي مخصصة وتستهدف شريحة العرب من العملاء في الخليج وسنستمر في المحافظة على هويتها بالكامل، أمّا علامة «تانيشك» فهي موجّهة للشريحة الهندية في الخليج وسنستمر على هذا النهج.

هذه الصفقة ليست مجرد استحواذ، بل التقاء بين اسمين أيقونيين بُنيا على الثقة والابتكار وفهم عميق لقيمة المجوهرات في حياة الناس.. لسنا هنا لنكرر تجربة تانيشك في الهند، بل لنبتكر تجربة جديدة ترتقي بكلتا العلامتين في واحدة من أسرع الأسواق نمواً في العالم، مؤكداً عدم استبدال أو المساس بعلامة «داماس التجارية» على الإطلاق.عراقة فاخرة تُعد «تيتان» إحدى أبرز الشركات التابعة لمجموعة «تاتا» الهندية، وهي متخصصة في قطاعات المجوهرات والساعات والأزياء والنظارات، وتأسست عام 1984، وتُعرف بقدرتها على الدمج بين الحرفية التقليدية والتقنيات الحديثة.تُدير تيتان علامة المجوهرات الشهيرة تانيشك (Tanishq)، التي تضم أكثر من 340 متجراً في الهند وعدداً متزايداً من الفروع الدولية في الإمارات وقطر وسلطنة عُمان وسنغافورة والولايات المتحدة، وتُصنّف نانيشك واحدة من أكثر العلامات موثوقية وشعبية في سوق المجوهرات الهندية.تأسست داماس عام 1907 في دمشق، ونقلت مقرها لاحقاً إلى دبي لتصبح واحدة من أعرق العلامات التجارية في قطاع المجوهرات الفاخرة في الشرق الأوسط، وهي مملوكة منذ عام 2012 إلى مجموعة المناعي القطرية.تُعرف «داماس» بتصاميمها المستوحاة من التراث العربي، وبجودة الذهب والألماس التي تقدّمها عبر مجموعاتها الراقية، وتدير أكثر من 150 فرعاً في دول الخليج، وتُعتبر رمزاً للأناقة والثقة لدى العملاء العرب والخليجيين، خصوصاً في المناسبات الخاصة مثل الخطوبة والزفاف.تفاصيل الصفقة ورغم التحفظ عن الكشف عن قيمة الصفقة أو تأكيد المبلغ المتداول على بعض المواقع (283 مليون دولار) بلغت قيمة صفقة الاستحواذ حسب رويترز نحو 1.04 مليار درهم (283.2 مليون دولار أميركي)، ما يمنح تيتان وصولاً فورياً إلى 146 فرعاً في ست دول خليجية، على أن يتم إتمام الصفقة بحلول 31 يناير 2026 مع احتفاظ تيتان بحق أفضلية شراء الحصص المتبقية (33%) ووفق بيانات رويرز، سجّلت «داماس» إيرادات تقارب 1.46 مليار درهم في السنة المالية 2024، بهامش أرباح تشغيلية (EBITDA) يبلغ نحو 12%، وهي أرقام يرى محللون أنها قابلة للتحسن بشكل ملحوظ مع دخول تيتان بأسلوبها المؤسسي ونهجها الرقمي في إدارة التجزئة. تأتي هذه الصفقة في وقتٍ يُقدّر فيه حجم سوق المجوهرات في الخليج بنحو 14.1 مليار دولار، مع توقعات ببلوغه 24 مليار دولار بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 5.7%، مدفوعاً بارتفاع الطلب على الفخامة وزيادة السياحة وتغيّر سلوك المستهلكين، وبالنسبة لشركة تيتان التي سجّلت نمواً في الإيرادات بنسبة 18%، وعوائد على حقوق الملكية بنسبة 28.7% خلال السنة المالية 2025، فإن هذا الاستحواذ لا يُمثّل مجرد توسّع جغرافي، بل رهاناً مدروساً على سوق ناشئة في طريقها إلى التنظيم، بهوامش ربحية قابلة للتعظيم.ويُعدّ الخليج رابع أكبر سوق للمجوهرات في العالم، لكنه لا يزال يعاني تفتتاً في الهيكل التنظيمي، وهيمنة المتاجر العائلية، وتفاوتاً في معايير الجودة والتسعير، وربما رأت تيتان في ذلك فرصة لإعادة الهيكلة عبر نموذجها القائم على التجزئة المنظّمة والرقمنة وسلاسل التوريد الموحدة.ويتوقّع محللون أن تُحدث تيتان تحولاً في السوق من خلال توحيد معايير الشهادات، وزيادة الشفافية في التسعير، وتوسيع نطاق التجارة الإلكترونية وهي عناصر تميزت بها في السوق الهنديتوقيت ودلالات رغم أن تيتان قدّمت الصفقة باعتبارها التزاماً طويل الأمد بالمنطقة، يبقى السؤال: لماذا اختارت مجموعة المناعي بيع حصتها في هذا التوقيت بالذات؟ في تصريحات خلال مؤتمر صحفي بدبي، وصف التنفيذيون القرار بأنه استراتيجي، ولمّحوا إلى أنه نابع من إعادة هيكلة داخلية، لا من ضغوط مالية.وقال فينكاتارامان «مجموعة المناعي تتبع توجهاً مختلفاً، ورأت في هذه الصفقة فرصة مثالية لتحقيق قيمة مضافة لم تكن هناك ضغوط للبيع، بل قرار مدروس في لحظة مناسبة».وكشف مسؤولون أن نحو 13 متجراً من متاجر داماس سيتم تحويلها كليًا إلى فروع تانيشك، بينما ستعمل المتاجر الأخرى بنموذج مزدوج، يجمع بين العلامتين داخل تجربة تسوق متكاملة.خطط مستقبلية.. تصنيع محلي؟ إدراج إقليمي؟مع دخولها بهذا الحجم إلى السوق الخليجي، بدأت التكهنات تدور حول ما إذا كانت تيتان تُخطط لتحويل الخليج إلى مركز تصميم أو تصنيع إقليمي، بل وحتى ما إذا كانت تنوي إدراج تانيشك في بورصة إقليمية مستقبلاً.وفي رده على سؤال مباشر، قال فينكاتارامان «إن التوقيت لا يزال مبكراً للتعليق سواء على الإنتاج المحلي أو على خطط الإدراج في هذه المرحلة، لكننا نرى أن المنطقة تملك إمكانات هائلة.. ونفكّر بجدية في توسيع قدراتنا التشغيلية هنا».ورغم التحفظ عن الكشف عن الحصة السوقية المستهدفة أو العوائد الاستثمارية المنتظرة، تؤكد مصادر مطلعة أن الشركة تسعى إلى مضاعفة حضورها في الخليج بحلول عام 2027، مدفوعة بنمو الطلب من شريحتَي العملاء العرب والآسيويين.وتبقى المعادلة بين الولاء والابتكار التحدي الأكبر أمام تيتان التي لا تتمثل في عدد المتاجر أو الإيرادات، بل في الحفاظ على الولاء العاطفي الذي تحظى به داماس لدى الجمهور الخليجي، مقابل تحديث التجربة بما يتماشى مع طموحات تانيشك، فالمجوهرات في الخليج ليست مجرد منتج، بل ثقافة متجذرة ترتبط بالمناسبات والعلاقات الاجتماعية.وإذا نجحت تيتان في تحقيق التوازن بين الإرث والابتكار، فقد تكون بالفعل قد استحوذت على أغلى من مجرد شركة، بل على مستقبل سوق مجوهرات الخليج.