دراسة شاملة تستعرض الفقر في مصر من سبع جوانب مختلفة

دراسة شاملة تستعرض الفقر في مصر من سبع جوانب مختلفة

صرَّح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري بأن بيانات نتائج بحث الدخل والإنفاق للعام المالي 2021/2022 متاحة منذ نوفمبر تشرين الثاني 2024 على موقعه الرسمي، ومعلناً أن الإصدار الجديد لبحث 2023/2024 سيُكشف عنه منتصف أكتوبر تشرين الأول المقبل. أوضح الجهاز أن عملية إعداد ونشر بيانات الدخل والإنفاق تعتمد منهجية دولية قائمة على سنة مرجعية مزدوجة لتغطية التغيرات الموسمية في أنماط الاستهلاك، مؤكداً التزامه بالنشر المنتظم لهذه البحوث كل عامين منذ عام 2008، بعد أن كانت تُجرى كل خمس سنوات سابقاً.
حسب الجهاز، تم نشر مؤشرات الفقر متعدد الأبعاد المستخلصة من بحث 2021/2022 في نوفمبر تشرين الثاني 2024، وتُعد هذه المؤشرات الأولى من نوعها على المستوى الوطني. وجاء إعدادها بالتعاون مع وزارة التخطيط وجهات محلية ودولية، من بينها الإسكوا ومبادرة أكسفورد للتنمية البشرية.

وتغطي 19 مؤشراً في 7 أبعاد تشمل التعليم، والصحة، والسكن، والعمل، والحماية الاجتماعية، والخدمات، والأمن الغذائي.الجدير بالذكر أن «الإحصاء» يعمل حالياً على الانتهاء من نتائج التعداد الاقتصادي السادس الذي يُعد ثاني أكبر عملية إحصائية في مصر بعد التعداد السكاني. وقد اكتمل العمل الميداني بالفعل، ويجري حالياً إعداد النتائج النهائية التي تهدف إلى تقديم بيانات تفصيلية عن مختلف الأنشطة الاقتصادية ومساهمتها في الناتج المحلي على المستويين القومي والإقليمي.ومن جانب آخر، يواصل الجهاز تنفيذ التعدادات السكانية منذ عام 1882، إذ تم إجراء 14 تعداداً حتى الآن، ما يعكس التزاماً راسخاً بإنتاج بيانات دقيقة تدعم التخطيط التنموي القائم على الأدلة.

نصف الحقيقة لا تكفي.. والفقر ليس مجرد دخل

لم يعد الفقر في مصر مسألة مرتبطة فقط بالدخل النقدي؛ فالأرقام التي صدرت في 2021/2022.يعيش أكثر من خُمس سكان مصر، وتحديداً 21.2%، في فقر متعدد الأبعاد، يرتفع الرقم إلى 28% في الريف مقابل 12% فقط في المدن، ما يسلّط الضوء على اختلال جغرافي واضح في فرص العيش الكريم.ما يلفت الانتباه أن البعدين الأكثر مساهمة في الفقر ليسا الدخل أو التعليم كما هو شائع، بل الخدمات والعمل، إذ أسهم كل منهما بنسبة 19.3 و18.9% على التوالي في دليل الفقر.يليهما السكن والتعليم بنسبة 14-15% لكل منهما، بينما أسهم بُعد الصحة بنسبة متدنية بلغت 5.9% فقط، رغم أهميته المباشرة لحياة الفرد، أما الأمن الغذائي فكان نصيبه نحو 12.3%.المنهجية التي اعتُمدت لحساب الفقر لا تكتفي بقياس الدخل بل تعتمد على طريقة «ألكير-فوستر»، بحيث يُصنف الفرد فقيراً إذا كان محروماً في بُعدين أو أكثر.وقد أظهرت النتائج أن الفقراء يعانون من 37% من أشكال الحرمان الممكنة، ما يعكس شدة الفقر وليس فقط انتشاره.وفي تفصيل المؤشرات، فإن 19% من الفقراء محرومون من العمل اللائق والتأمين الاجتماعي، وهي النسبة الأعلى، بينما حُرم 15.6% من الصرف الصحي، و15.3% من الأمن الغذائي، و14.9% من خدمات التخلص من النفايات.أما مؤشر «الوصول إلى الإنترنت»، وهو أحد رموز العصر الحديث، فقد بلغ الحرمان فيه 13.6% على مستوى مصر.الفروق بين الريف والحضر واضحة أيضاً من حيث المساهمة النسبية لكل بُعد. ففي المناطق الريفية، يُسهم بُعد الخدمات وحده بـ20.8% من الفقر، بينما يبرز بُعد العمل في المدن بـ21.2% كمحرك رئيسي للحرمان الحضري.على جانب أكثر تفاؤلاً، أظهرت المقارنات الأولية مع عام 2018 تحسناً في عدة مؤشرات، فقد انخفض الحرمان من الإنترنت من 70.7% إلى 45.1%، ونوعية المسكن من 24.5% إلى 18.7%، والصرف الصحي من 49.6% إلى 44.8%، إضافة إلى تحسن طفيف في سنوات الدراسة والحماية الاجتماعية.ويبرز «الدليل الوطني للفقر المتعدد الأبعاد» ليس فقط كمجرد تقرير، بل كأداة تخطيط وسياسة عامة. يمكن استخدامه في تقييم مبادرات ضخمة مثل «حياة كريمة»، وفي توجيه التحويلات النقدية والمساعدات الغذائية لمستحقيها بشكل أكثر دقة.كما يفتح المجال أمام صناع القرار لوضع ميزانيات واستراتيجيات تنموية قائمة على أدلة ميدانية، وليس على تخمينات أو متوسطات.لكن يبقى التحدي الأكبر في ضرورة التحديث المنتظم للدليل، وضمان وجود بنية تحتية إحصائية قادرة على تغطية المناطق الأشد حرماناً، وإشراك الجهات الوطنية المختلفة لضمان استجابات منسقة وفعالة.