استكشاف فرص النظام الضريبي الجديد للمكاتب العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي

استكشاف فرص النظام الضريبي الجديد للمكاتب العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي

تشهد المعايير الضريبية العالمية تشديداً متزايداً، يترافق مع تحول التنويع الاقتصادي إلى أولوية في سياسات دول مجلس التعاون الخليجي، ما يدفع المكاتب العائلية في المنطقة إلى نقطة تحول استراتيجية، إذ تنطلق مرحلة جديدة من الشفافية والتنظيم والامتثال العابر للحدود؛ لتنهي مرحلة عمل هذه المكاتب في بيئات منخفضة الإفصاح عن البيانات المالية وتتمتع بضرائب منخفضة، ويتطلب هذا التحول بالنسبة للمكاتب العائلية -التي تشكل عنصراً أساسياً لحماية الثروات العابرة للأجيال والحفاظ على رأس المال الخاص- بذل جهود مكثفة تنطوي على التكيف التلقائي وإعادة تعريف الحوكمة والهدف المنشود والوجود الجغرافي.
وتستعرض هذه المقالة التطورات الضريبية الرئيسية التي تؤثر على المكاتب العائلية في دول الخليج العربي، والاستراتيجيات التي يجب أن تتبناها لمواكبة هذا المشهد المتغير بمنظور جديد.

من الضرائب الطفيفة إلى الالتزام الضريبي: فلسفة مالية متغيرة

وترى المكاتب العائلية أنه لم يعد من الممكن افتراض قيمة تعاملات الحياد الضريبي، بل يتطلب الأمر التخطيط لها، وهيكلتها، واختبارها بشكلٍ دوري، وأن ما كان في السابق مجرد أمر ثانوي يتعلق بالامتثال قد تحول اليوم إلى أولوية استراتيجية.وفي الوقت ذاته، يمكن أن يكون النظام الضريبي السليم الخيار الأمثل لاستقطاب المكاتب العائلية من الولايات القضائية ذات الضرائب المرتفعة، شريطة أن يواكب أفضل الممارسات الدولية ويتوافق مع معايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بالإضافة إلى الجهود التي بذلتها معظم دول الخليج العربي لتوفير خيارات هيكلة قوية مع محاكم تستند إلى القانون العام.

جاهزية وعقلية تشغيلية جديدة

تفرض موجة التكليف الضريبي للشركات وقواعد الجوهر الاقتصادي على المكاتب العائلية التي تتخذ من دول الخليج العربي مقراً لها دراسة نموذجها التشغيلي بالكامل، ويتمحور الاهتمام الآن حول سبب وكيفية الاحتفاظ بالأصول بدلاً من مكان حفظها، فضلاً عن آلية دفع أجور الخدمات.وتتضمن معظم أنظمة ضريبة الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي قواعد تسعير التحويلات المالية، وتوفر هذه القواعد إطار عمل لضمان تعامل الأطراف ذات الصلة بعضها مع البعض على أساس مستقل، فبغياب هذه القواعد تتزايد خطورة توجه دافعي الضرائب نحو التلاعب بتسعير التحويل لتحقيق نتيجة ضريبية تعسفية وغير عادلة، كما تستند القواعد إلى أفضل الممارسات العالمية، مثل إرشادات التسعير التحويلي الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتؤكد الجوهر الاقتصادي وكيفية صنع القرار لضمان تسجيل الأرباح في المكان نفسه الذي تتوفر فيه القيمة ويتم فيه اتخاذ القرارات الرئيسية.ويفرض هذا الموضوع تحدياً مباشراً بالنسبة للمكاتب العائلية التي كانت تعتمد على توقيع الاتفاقيات غير الرسمية أو الكيانات الخارجية متعددة المستويات. وقد يسفر التباطؤ في تنفيذ الإجراءات اللازمة عن مخاطر ضريبية غير مرغوب فيها، مثل الخدمات المقدمة من الأطراف ذات الصلة بأسعار غير متوافقة بوضوح مع مبدأ المعاملة المستقلة، أو التمويل المعفى من الفوائد، أو الزيادة المفرطة في قوائم الرواتب المدفوعة لأشخاص مرتبطين، وتؤدي هذه الحالات إلى مخاطر ضريبية كبيرة، وقد تتطلب أيضاً الإفصاح عن هذه البيانات للهيئات الضريبية أثناء عمليات التدقيق.فعلى سبيل المثال يتمثل أحد السيناريوهات الشائعة في دولة الإمارات في قيام عائلة بإنشاء مؤسسة في مركز دبي المالي العالمي أو سوق أبوظبي العالمي، بهدف الاحتفاظ بمكتبها العائلي في الدولة وإنشاء كيانات ذات غرض خاص لاستخدامها في استثمارات متنوعة وعقارات شخصية وأصول أخرى للمنفعة الشخصية، بما في ذلك السيارات واليخوت والطائرات الخاصة، وتنطوي أبرز الممارسات الشائعة على استخدام العائلة هذه العقارات والأصول الشخصية دون دفع إيجارات أو رسوم لهذه الكيانات أو المكاتب العائلية، وكذلك أن يقوم موظفوها بتقديم خدمات الكونسيرج وإدارة المنزل للعائلة دون أي أجور محددة في المقابل، ونظراً لإطار العمل الضريبي للشركات وتسعير التحويل في دولة الإمارات، فإنه من الضروري تسعير هذه المعاملات على أساس المعاملة المستقلة، ويتطلب ذلك إجراء تحليل للسلوك الفعلي لجميع الأطراف، واختيار طريقة تسعير التحويل الصحيحة، وإجراء المقارنة المعيارية المناسبة.وعلى الجانب الآخر، يتسنّى للجهات التي تتخذ الإجراءات المطلوبة في وقتٍ مبكر، بهدف مواءمة هياكلها مع المعايير المحلية والدولية، التخفيف من مخاطر التعرض للضرائب وتحسين وضعها الضريبي.

تعقيدات التخطيط الضريبي للعائلات متعددة الإقامات

تشهد المكاتب العائلية في دول الخليج العربي اتساعاً متسارعاً في نطاق أعمالها، لا سيما مع امتداد الأصول والممتلكات وأماكن إقامة المستفيدين على عدة قارات، ورغم ما يتيحه هذا الانتشار الجغرافي من فرص استثمارية واعدة، فإنه يطرح في المقابل تحديات متزايدة تعقّد من جهود التخطيط الفعّال للثروات، بسبب اختلاف الأطر التنظيمية بين دول الإقامة الأصلية والدول المستضيفة وتباين تعريف الإقامة الضريبية، إضافة إلى النفاذ الدولي لقوانين الإفصاح الضريبي، مثل قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية ومعيار الإبلاغ المشترك.وينطوي التعامل مع الكيانات والمؤسسات التي تؤدي مهام شبيهة بالصناديق الاستئمانية على تعقيدات متزايدة، خاصةً بالنسبة إلى المستفيدين الذين يقيمون في دول ذات معدلات ضريبية مرتفعة مثل المملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وقد تكون هذه الهياكل محايدة ضريبياً على الصعيد المحلي (كما هو الحال في المؤسسات العائلية في دولة الإمارات)، إلا أن توزيعات عوائدها وتركيبة إدارتها ومتطلبات الإفصاح المرتبطة بها قد تفرض التزامات ضريبية أخرى في الخارج.كما يحتاج المستفيدون من أبناء وأحفاد العائلات المؤسسة للمكاتب العائلية، غير الموجودين بشكلٍ دائم في الدولة التي تأسست فيها شركاتهم، إلى تخطيط يأخذ في الحسبان الأحداث الحياتية المتوقعة (مثل الانتقال والزواج والميراث) من خلال منظور ضريبي عالمي منسق وإطار حوكمة متين.وانطلاقاً من هذا السياق، يُعدّ مدى اتساع وسهولة الوصول إلى شبكة اتفاقيات تجنّب الازدواج الضريبي في كل دولة عاملاً مهماً ينبغي مراعاته، حيث تتضمن شبكة الاتفاقيات الضريبية لدولة مثل الإمارات قيوداً قائمة على الجنسية تمنع أو تحدّ من قدرة بعض الأشخاص على الاستفادة من مزايا هذه الاتفاقيات.

الاستعداد المدروس لمواجهة التغيرات

تحافظ دول مجلس التعاون الخليجي على مكانتها الرائدة بصفتها ملاذاً حيوياً واعداً لإدارة الثروات الخاصة والمكاتب العائلية، فالتطور التنظيمي الذي تشهده المنطقة يعكس التزامها بمواكبة أفضل الممارسات الدولية وتوفير بيئة آمنة ومستقرة للأفراد وهياكلهم المؤسسية.ومع ذلك، وعلى الرغم من النظرة الإيجابية، يفرض هذا المشهد الجديد متطلبات أكبر، لا سيما في الجانب الضريبي، فإذا كان الهدف النهائي لدول الخليج العربي هو التحوّل إلى حاضنة عالمية رائدة للمكاتب العائلية وإدارة الثروات الخاصة، فلا بدّ لها من إيجاد إطار ضريبي مخصّص وجذّاب يقوم على البساطة والشفافية، ويتمتع بالقدرة على المنافسة والتفوق على أبرز المراكز الرئيسية مثل سنغافورة.لذلك، لم يعد التحدّي بالنسبة إلى المكاتب العائلية في دول الخليج العربي، أو تلك التي تفكر في الانتقال إليها، يتمثل في التغييرات المحتملة للبيئة الضريبية، وإنما في مدى الاستعداد للتعامل مع هذه التغييرات بكفاءة ووضوح.*فيشال شارما، المدير الإداري ورئيس ممارسات الضرائب في دولة الإمارات لشركة ألفاريز آند مارسال الشرق الأوسط : يتمتع السيد شارما بخبرة تزيد على 16 عاماً في مجال الضرائب الدولية وعمليات الدمج والاستحواذ، وتتمثل خبرته في تقديم خدمات الاستشارات الضريبية الداخلية والخارجية، والعناية الواجبة بالضرائب، وهيكلة الضرائب، والنمذجة المالية، ومراجعة وثائق المعاملات.

(فيشال شارما، المدير الإداري ورئيس ممارسات الضرائب في دولة الإمارات لشركة ألفاريز آند مارسال الشرق الأوسط)

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.شارك في إعداد هذا المقال مالكولم مانيكشو، المدير الأول لقسم الضريبة في شركة ألفاريز آند مارسال الشرق الأوسط وتياغو ماركيز، مدير قسم الضريبة الدولية والمباشرة لعملاء القطاع الخاص في شركة ألفاريز آند مارسال الشرق الأوسط.