رؤية مبتكرة للخطط المالية للوافدين في الإمارات

رؤية مبتكرة للخطط المالية للوافدين في الإمارات

لم يحظَ التخطيط للتقاعد بأهمية كبيرة في دولة الإمارات على مدى عقود، فمعظم الوافدين ينظرون إلى إقامتهم فيها على أنها فترة مؤقتة وليست وجهة نهائية، لا سيما أن معظم سكان الدولة يتمتّعون بمرونة عالية في التنقل على مستوى العالم. وفي هذا السياق، تمثّل مكافأة نهاية الخدمة دعماً مالياً مؤقتاً، وليست استراتيجية حقيقية للتقاعد. لكن هذه التصورات بدأت تشهد تغيرات متسارعة.وبات عدد متزايد من الوافدين اليوم يختارون الاستقرار في دولة الإمارات، ويتجه المهنيون إلى بناء مسيرة مهنية أطول وأكثر ديمومة في منطقة الخليج العربي خصوصاً في ضوء ارتفاع متوسط العمر المتوقع فيها. ولهذا السبب، بدأ صنّاع السياسات والشركات العمل على تطوير آليات دعم المقيمين الراغبين في التقاعد والبقاء في دولة الإمارات.

وتحظى مكافأة نهاية الخدمة التي تُصرف على شكل منحة مالية بأهمية كبيرة، إلّا أنها غير مخصصة لتوفير الأمان المالي على المدى الطويل. وتعادل القيمة القصوى لمكافأة نهاية الخدمة مجموع رواتب عامين فقط، وهذا أقل بكثير من الحد المطلوب لتحقيق الأمان المالي بعد التقاعد، الذي تبلغ قيمته 12 ضعف الدخل السنوي. ومع ذلك، تُعدّ مكافأة نهاية الخدمة الخيار الرسمي الوحيد المتوفر لدعم المعيشة بعد التقاعد بالنسبة إلى معظم الوافدين غير الراغبين في البحث عن خيارات مالية أخرى.
وأظهر تقرير الصحة عند الطلب لعام 2025، الذي تصدره شركة ميرسر مارش بنفتس، أن أكثر من نصف الموظفين (53%) في دولة الإمارات تساورهم مخاوف شديدة أو عالية بشأن قدرتهم المالية بعد التقاعد، كما قال نحو 81% منهم إنهم سيكونون سعداء في حال قام صاحب العمل بمساعدتهم على التخطيط لاحتياجاتهم طويلة الأمد المتعلقة بالصحة والرعاية بعد التقاعد. إذاً فالرغبة واضحة، وكذلك هي الفجوة في توفيرها.وعلى الجانب المشرق، بدأت الحكومات في مختلف دول المنطقة بالالتفات لهذه القضية؛ ففي دولة الإمارات، يعكس انطلاق أُطر العمل مثل خطة صناديق مدخرات الموظفين في مكان العمل من مركز دبي المالي العالمي، والنظام الاختياري البديل لمكافأة نهاية الخدمة من وزارة الموارد البشرية والتوطين، الالتزام المتزايد بتوفير المرونة المالية والكفاية بعد التقاعد. وتوفّر هذه الخطط عناصر التنقل المالي والشفافية والتخطيط طويل الأمد التي يفتقر إليها نظام مكافأة نهاية الخدمة الحالي.ولكن السياسات وحدها لا تكفي لإحداث التغيير المنشود، بل يجب على الشركات أيضاً أن تتكيف مع الواقع الجديد، وتبدأ باعتماد آليات جديدة لتصميم وتقديم مزايا الموظفين.عرض القيمة لأصحاب العمل تحظى ضمانات التقاعد بأهمية متزايدة بوصفها فرصة رئيسية لأصحاب العمل والموظفين على حدٍ سواء، بالإضافة إلى كونها أداةً استراتيجية لتمييز المواهب والاحتفاظ بها.ومع تنامي ضغوط تكاليف المعيشة، أصبح الضغط المالي أحد الآثار الجانبية الشائعة في الحياة اليومية، وهو أمر ينعكس سلباً على بيئة العمل وأداء الشركات، كما أن انعدام الأمان المالي لدى الموظفين يؤثّر سلباً في معدلات الإنتاجية والمشاركة والاحتفاظ بالموظفين، لكن الحلول لهذه التحديات متاحة أمام أصحاب العمل.يمكن أولاً توسيع دائرة النقاش حول خطط التقاعد، وتجاوز المفاهيم التقليدية لمكافأة نهاية الخدمة. فمثلاً، تتيح خطط المساهمة المرنة مثل خطط المساهمات المحددة ومواءمة المزايا مع المسارات المهنية العصرية، وهي تسمح لكل من صاحب العمل والموظفين بالمساهمة، مع إمكانية إدخال مساهمات إضافية طوعية، وتوفّر مستوى أعلى من الشفافية والتحكم للموظفين، كما يؤدي إلغاء الالتزامات المفتوحة لمكافآت نهاية الخدمة مستقبلاً إلى الحد من مخاطر الالتزامات غير الممولة وتحسين إدارة التدفقات النقدية للشركات. ويحظى التعليم بأهمية محورية أيضاً، حيث تسهم برامج التثقيف المالي وأدوات الادخار وموارد التخطيط للتقاعد في تمكين الموظفين من اتخاذ قرارات مدروسة. ويكتسب هذا الجانب أهمية خاصة لدى الموظفين الشباب الذين لا يكتفون بالنظر إلى الراتب فقط، بل يهتمون أيضاً بقدرة أصحاب العمل على دعم الرفاهية طويلة الأمد للموظفين.وتؤيد نتائج تقرير ميرسر لتوجهات المواهب العالمية لعام 2025 هذه الرؤى، حيث يشير التقرير إلى أن نسبة 81% من الموظفين في الشرق الأوسط سيكونون أقل عرضة لترك عملهم في حال توفير دعم التقاعد ضمن باقة مزايا الموظفين، كما قال 43% من المشاركين إن ذلك سيسهم أيضاً في تعزيز حس الالتزام تجاه المؤسسة التي يعملون فيها.الحاجة إلى اعتماد نموذج إقليميتحظى دول مجلس التعاون الخليجي بمؤهلات متميزة تتيح لها تحقيق الريادة في قطاع التقاعد، لا سيما في ضوء رؤيتها طويلة الأمد لتطوير السياسات والتنمية الاجتماعية، كما أن الحكومات تستثمر في البنية التحتية التي تواكب متطلبات المستقبل وتسرّع الخطى نحو التنويع الاقتصادي. وفي ضوء توجه مزيد من المهنيين للبقاء فترات أطول في دول مجلس التعاون الخليجي، تقف المنطقة أمام فرصة استثنائية لتطوير منهجية جديدة لتقاعد الوافدين تجمع ديناميكية القطاع الخاص والاستقرار الذي توفره المدخرات طويلة الأمد.وتحظى المؤسسات حالياً بفرصة تجاوز المفهوم التقليدي لفرص العمل لتحقيق الأمان المالي للموظفين، من خلال بناء نماذج تنسجم مع التغيرات السكانية التي تشهدها المنطقة.إن الفرصة سانحة أمامنا، نحن الرؤساء التنفيذيين وقادة الأعمال، من أجل دعم موظفينا الذين يُعتبرون الأصول الأهم لدينا.ويمكننا دعم الموظفين بشكلٍ هادف وفعّال، والمنافسة للحصول على أفضل المواهب على مستوى العالم، وتعزيز النسيج الاقتصادي لدولة الإمارات على مدى الأجيال القادمة عبر الاستثمار في المزايا الذكية والمرنة والتقدمية.دعونا نحوّل هذا التحدي إلى إرث نعتزّ به.تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.