التوسع العالمي في أسعار الكربون: 100 مليار دولار سنوياً وعوائد متزايدة للتنمية.

برز تسعير الكربون كأداة فعّالة تجمع بين خفض الانبعاثات وتحقيق عوائد مالية تدعم التنمية والبنية التحتية.
ويعكس ذلك تسارع دولي في تبني هذا النهج رغم التحديات الاقتصادية والسياسية.رغم التباطؤ الاقتصادي العالمي وتقلبات الأسواق، تسير عجلة تسعير الكربون بخطى متسارعة.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن نحو 28% من الانبعاثات العالمية أصبحت مشمولة بأنظمة تسعير مباشرة للكربون، ارتفاعاً من 24% في العام الماضي، ونحو 5% فقط عام 2005.
الصين توسّع نظامها وتغطي أكثر من نصف انبعاثاتها
ضمّت الصين، صاحبة النصيب الأكبر من هذا التوسع، قطاعات الأسمنت والصلب والألمنيوم إلى نظامها الوطني لتجارة الانبعاثات، مما أضاف نحو 3 مليارات طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون إلى التغطية. وبذلك، أصبحت الصين وحدها تغطي أكثر من نصف انبعاثاتها بنظام تسعير مباشر.أما في أميركا اللاتينية، فشهدت المنطقة زيادة في الإيرادات عبر مزيج من ضرائب الكربون وإصلاحات على ضرائب الوقود. وفي أوروبا، رغم تراجع الأسعار في بعض الأنظمة مثل «إي يو إي تي إس»، فإن الالتزام بتخصيص أكثر من نصف الإيرادات لمشروعات بيئية وتنموية ما زال قائماً.لم يبقَ القطاع الخاص أيضاً بعيداً عن هذه المعادلة، إذ ارتفع عدد الشركات التي تستخدم سعراً داخلياً للكربون بنسبة 89% منذ عام 2021، في إشارة إلى تنامي الوعي والمخاطر والفرص المرتبطة بالتغير المناخي.
الزراعة والنفايات.. مناطق ظل خارج التسعير
لكن الصورة ليست كلّها خضراء، فالقطاعات الزراعية والنفايات لا تزال بمعظمها خارج نطاق التسعير، في وقتٍ تظهر فيه تقلبات سياسية أثّرت في بعض السياسات، كما حدث في كندا.يشير تقرير البنك الدولي بوضوح إلى أن أسعار الكربون الحالية رغم ارتفاعها ما زالت دون المستويات الموصى بها لتحقيق أهداف اتفاق باريس. ففي حين بلغ متوسط السعر العالمي الفعلي نحو 19 دولاراً لكل طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون، تشير التوصيات إلى ضرورة بلوغه 50 إلى 100 دولار بحلول عام 2030.
أسواق الأرصدة الكربونية تتطور.. والمشترون يدفعون أكثر للإزالة
ومن اللافت أن الآليات الحديثة مثل أنظمة التسعير القائمة على الكثافة وليس السقف الثابت للانبعاثات (rate-based ETS)، بدأت تجذب اهتمام الدول النامية لمرونتها وتلاؤمها مع الهواجس الاقتصادية المحلية.في المقابل، فإن سوق أرصدة الكربون يشهد بدوره تحولات الطلب على مشاريع الإزالة الطبيعية مثل إعادة التشجير يشهد زيادة ملحوظة، مع استعداد المشترين لدفع أسعار أعلى مقابل هذا النوع من الأرصدة. ومع دخول اتفاقية مؤتمر المناخ في باكو (COP29) حيز التنفيذ، يُتوقع أن تتحول الأسواق الطوعية والدولية نحو نماذج أكثر تنظيماً وشفافية.
دول الخليج والدول العربية.. حراك بطيء واهتمام أولي
لا تزال أغلب دول الخليج والدول العربية في مراحل مبكرة جداً من هذه المنظومة. تُعدّ الإمارات الأكثر تقدماً من حيث تطوير أسواق طوعية للأرصدة الكربونية، خاصة عبر منصتي «أبوظبي» و«دبي» الماليّتين، بينما بدأت السعودية تجربة برنامج وطني للائتمان الكربوني.وأبدت دول مثل عمان ومصر اهتماماً بتطوير أدوات مشابهة، لكن دون خطوات تنفيذية واضحة حتى الآن. وكخلفية مختصرة، بدأت أولى تجارب تسعير الكربون في التسعينيات في فنلندا، لكنها بقيت محدودة حتى منتصف العقد الأول من الألفية. ومع توقيع اتفاق باريس للمناخ عام 2015، ازداد التوجه نحو هذه الأداة. ومنذ عام 2020، أخذت الضغوط المالية والبيئية تدفع المزيد من الحكومات نحو فرض ضرائب الكربون أو إنشاء أنظمة لتجارة الانبعاثات، بالتوازي مع اهتمام متزايد من القطاع الخاص.